الشيخ جعفر السبحاني ..
إنَّ من السنن العقلية المقررة مساواة العقوبة للجُرْم كماً وكَيْفاً ، غير أن هذه المعادلة منتفية في العقوبات الأخروية ، فإنَّ قسماً من المجرمين يخلدون في النار مع أن معصيتهم أقل مدة من مدة التعذيب.
قال سبحانه : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 39].
وقال سبحانه : {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [التوبة: 68].
قال المفيد : « اتفقت الإِمامية على أن الوعيد بالخلود في النار متوجه إلى الكفّار خاصة دون مرتكبى الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى والإِقرار بفرائضه من أَهل الصلاة » (1).
وقال الصدوق في عقائده : « اعتقادنا في النار أنه لا يخلد فيها إلاَّ أهل الكفر والشرك ، فأما المذنبون من أهل التوحيد فيخرجون منها بالرحمة الّتي تدركهم ».(2)
وأما الجواب ... فنقول :
إِنَّ ما ذُكر مِنَ السُّنة العقلية من التطابق بين الجرم والعقوبة كَمّاً وكيفاً ، إنما يرتبط بالعقوبات الجعلية ، وأما إِذا كانت العقوبة أثراً وضعياً للعمل فلا نجد تلك المطابقة في الكم ولا في الكيف.
فالسائق الغافل لحظة واحدة ربما يتحمل خسارات نفسية ومالية تدوم مدة عمره. والإِنسان الذي يستر بذرة شوك أو بذرة ورد تحت التراب ، يحصد الأشواك والورود ما دام العمر ، فالعمل كان آنياً والنتيجة دائمية ، فليست المعادلة محفوظة بين العمل وثمرته.
فإِذا كان عمل الإِنسان في هذه الحياة بذوراً لما يحصده في الآخرة فلا مانع من أن تكون النتيجة دائمية والعمل آنياً أو قصير المدة. وهذا بنفسه كاف في ردّ الإِشكال ، وقد عرّفه سبحانه نتيجة عمله في الآخرة وأنَّ أَعماله القصيرة سوف تورث حسرة طويلة أو دائمة وأنّ عمله هنا سينتج له في الآخرة أشواكاً تؤذيه أو وروداً تطيّبه ، وقد أقدم على العمل عن علم واختيار ، فلو كان هناك لوْم فاللوم متوجه إليه ، قال سبحانه حاكياً عن الشيطان : {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [إبراهيم: 22].
وفيما مرّ من الآيات التي تَعُدُّ الجزاء الأُخروي حَرْثاً للإِنسان تأييد لهذا النظر.
على أنَّ من المحتمل أَنَّ الخلود في العذاب مختص بما إذا بطل استعداد الرحمة وإمكان الإِفاضة. قال تعالى : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81].
ولعل قوله : { وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } إحاطتها به إحاطة توجب زوال أي قابلية واستعداد لنزول الرحمة ، والخروج عن النقمة (3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ أوائل المقالات ، ص 14.
2 ـ عقائد الصدوق ، ص 90 ، الطبعة القديمة الملحقة بشرح الباب الحادي عشر.
3 ـ الميزان ، ج 12 ، ص 86.
الشيخ باقر القرشي
إيمان شمس الدين
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ حسين الخشن
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد مهدي الآصفي
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
كتاب جديد بعنوان: أوضح البيان في حقيقة الأذان
أحلام المشهدي تشارك في معرض ثلاثيّ في الأردن
الإمام الرضا عليه السلام: 19 عاماً من الجهاد
من بحوث الإمام الرّضا (ع) العقائديّة (3)
الشّيخ صالح آل إبراهيم: كيف تنقذ زواجك من الانهيار؟
التسارع والتباطؤ وإنتاج المعارف (4)
تحمّل المسؤوليّة، عنوان الحلقة الثّالثة من برنامج (قصّة اليوم)
ناصر الرّاشد: كيف يستمرّ الحبّ؟
من بحوث الإمام الرّضا (ع) العقائديّة (2)
الإمام الرضا (ع) والمواقف من النظام (2)