
ما هو منشأ غضب النبيِّ يونس (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًاً﴾، وما معنى قوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾؟
ليس معنى مغاضِباً في الآية أنَّ يُونُس قد غضبَ على قومِه حتى يصحَّ السؤال عن منشأ غضبِه عليهم، فكلمة مغاضِب اسمُ فاعلٍ منتسبٍ إلى يُونُس (ع) ومعنى ذلك أنَّه فعل ما أغضب قومَه منه، وليس هو الذي غضب على قومه، فيُونُس ربَّما يكون قد غضب على قومِه لعنادهم، ولكنَّ مغاضباً لا تعني أنَّه غضب وإنَّما تعني أنَّه أغضب قومَه عليه، ومنشأُ إغضابه لهم أنَّه (ع) دعا عليهم بعد يأسه من استجابتهم لدعوته، وحين أزفَ حلول العذاب عليهم تركهم وذهب. فذلك هو مفاد قوله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًاً﴾ أي واذكر يونس ذا النون حين ذهب عنقومه حال كونه مغاضباً لهم بتركه إيَّاهم وذهابه عنهم.
وأما قوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ فمعناه أنَّ يونس حين هجر قومَه وفارقهم وركب السفينة كان معتقداً أنَّ الله تعالى لن يُضيِّق عليه رزقَه وإنْ كان قد هجر بلدَه وموطنَ إقامتِه. فقولُه تعالى: ﴿لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أي أنَّه لن نُضيِّق عليه كما هو معنى ذلكفي قولِه تعالى: ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ﴾ أي يبسطُه لمن يشاء ويضيِّقه على من يشاء، وكذلك هو المعنى في قولِه تعالى من سورةِ الفجر: ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ فمعنى قدَر عليه رزقَه أي ضيَّق عليه رزقه بمقتضى المدلولِ اللغوي لكلمة "قدر"، ويُؤيِّده المقابلة بين هذه الآية والآية التي سبقتها: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾ فالإنسانُ يحظى بإنعام الله عليه تارةً، ويُبتلى بالتقدير وضيقٍ في الرزق تارةً أخرى.
فليس معنى قوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أنَّ يونس اعتقد أنَّه خارجٌ عن قدرة الله تعالى وسلطانِه، فإنَّ ذلك من الكفر الذي يتنزَّه عنه الأنبياء، فهم منزَّهون عن صغائر الذنوب فضلاً عن الكفر الذي هو أكبر الكبائر، فاستلزامُ الاعتقاد بالخروج عن قدرة الله للكفر قرينةٌ قطعيَّة أن معنى لن نقدْرَ عليه ليس هو الإعتقاد من يونس بأنَّه خارج عن قدرة الله تعالى وسلطانه.
ويُؤيِّد ذلك أيضاً أنَّ الآية أردفت قوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ بنداء يونس لربِّه في الظلمات أنْ لا إله إلا أنت قال تعالى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ فقولُه فنادى تفريعٌ على ظنِّه بأنَّ الله لن يُضيِّق عليه، فذلك هو المناسبُ للتفريع المستفاد من الفاء، ولو كان معنى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ هو الاعتقاد بالخروج عن قدرة الله تعالى فإنه لا معنى لأنْ يفرعَ على ذلك النداء لله والاستعانة به.
هذا وقد نصَّت بعضُ الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) على أنَّ المراد من قوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ هو أنَّه اعتقد أنَّ الله تعالى لن يُضيِّق عليه رزقَه.
منها: ما ورد في عيون أخبار الرضا (ع) للشيخ الصدوق بسنده عن أبي الصلت الهروي قال: قال الرضا (ع) في معرض الجواب عن السؤال عن هذه الآية: "وأما قولُه عزَّ وجلَّ: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًاً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ إنَّما ظن بمعنى استيقنَ أنَّ اللهَ لن يُضيِّق عليه رزقَه، ألا تسمعُ قولَ اللهِ عزَّ وجل: ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ أي ضيَّق عليه رزقَه، ولو ظنَّ أنَّ اللهَ لا يقدرُ عليه لكان قد كفر ..".
ومنها: ما ورد أيضاً في كتاب عيون أخبار الرضا (ع) للشيخ الصدوق بسنده عن علي بن محمد بن الجهم قال: ".. فقال المأمون للرضا (ع): لله درُّك يا أبا الحسن فأخبرْني عن قولِ الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًاً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ فقال الرضا (عليه السلام): ذاك يُونُسُ بن متَّى (عليه السلام) ذهب مُغاضِباً لقومِه فظنَّ بمعنى استيقنَ ﴿أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أي لن نُضيِّقَ رزقَه، ومنه قولُه عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ أو ضيَّق وقتَّر ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾ أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطنِ الحوت: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ ..".
حقيقة التوكل على الله
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
من عجائب التنبؤات القرآنية
الشيخ جعفر السبحاني
تسبيحة السيدة الزهراء (ع)
الشيخ شفيق جرادي
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (3)
إيمان شمس الدين
معنى (عول) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
(التّردّد) مشكلة التسويف، تكنولوجيا جديدة تساعد في التغلّب عليها
عدنان الحاجي
الموعظة بالتاريخ
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
كلام عن إصابة العين (1)
الشيخ محمد هادي معرفة
الدلالة الصوتية في القرآن الكريم (1)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
صفات الأيديولوجي؛ معاينة لرحلة الفاعل في ممارسة الأفكار (7)
محمود حيدر
السيّدة الزهراء: صلوات سدرة المنتهى
حسين حسن آل جامع
الصّاعدون كثيرًا
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
محفّز جديد وغير مكلف يسرّع إنتاج الأوكسجين من الماء
حقيقة التوكل على الله
من عجائب التنبؤات القرآنية
فاطم حلّ نورها
محاضرة في مجلس الزّهراء للدّكتور عباس العمران حول طبّ الأطفال حديثي الولادة
تسبيحة السيدة الزهراء (ع)
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (3)
(الكمال المزيّف) جديد الكاتبة سوزان آل حمود
لـمّا استراح النّدى
شتّان بين المؤمن والكافر