الشيخ محمد صنقور ..
الآية من سورة الفرقان: ﴿يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾(1) ما هو المراد من قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾؟
الحِجْر بكسر الحاء أو فتحها وسكون الجيم يُطلق ويرادُ منه المنع والحجز والضيق ويُطلق ويراد منه الحرام، وهي معان متقاربة.
وتعارف بين العرب في الجاهليَّة – كما قيل – استعمال جملة "حِجْرًا محجورا" أو ما يقاربُها في مقام الاستعاذة، فإذا التقى أحدُهم رجلًا يخشاه على نفسه في الحَرَم أو في الأشهر الحُرم خاطبَه مستعيذا بقوله: "حِجْرًا محجورًا" أي حرامٌ مُحرَّم عليك سفك دمي في هذا الشهر الحرام أو البلد الحرام فيمتنعُ ذلك الرجل عن قتله، فتنفعه هذه الاستعاذة وتحول دون استهدافِه من عدوِّه بقتلٍ أو مكروه.
ومن ذلك يتَّضح المراد من قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ فمعنى ذلك أنَّ المجرمين يُخاطبون الملائكة يوم القيامة بهذه الجملة يستعيذونَ بها من العذاب أو قلْ يحتجزون بها من استهداف الملائكة لهم بالعذاب ويظنُّون أنَّ هذه الاستعاذة ستنفعُهم وتدفعُ عنهم كما كانت تنفعُهم في الدنيا.
وثمة احتمالٌ آخر للمُراد من الآية وهو أنَّ الفاعل للفعل "يقولون" عائدٌ على الملائكة فتكون جملة: "حِجرًا محجورًا" من قول الملائكة وليس من قول المجرمين كما في الاحتمال الأول، فالمخاطَب بهذه الجملة في الاحتمال الثاني هم المجرمون، والملائكةُ هم مَن تصدر عنهم هذه الجملة يخاطبون بها لمجرمين، وبناء على هذا الاحتمال يكون معنى "حجرًا محجورًا" هو أنَّه حرامٌ مُحرَّمٌ عليكم أيُّها المجرمون البُشرى ودخولُ الجنَّة. أي إنَّ الملائكة تُخاطب المجرمين بما يبعثُ في قلوبِهم اليأسَ من البشرى بالنجاة ودخولِ الجنَّة، فيقولون لهم محجورةٌ ممنوعةٌ محرَّمةٌ عليكم الجنة والفوز بالنجاة.
وكلا المعنيين يستقيمُ مع سياق الآية والتي قبلها، يقول الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾(2).
فالآيةُ الأولى تتحدَّث عمَّا كان يواجهُ به المشركون رسولَ الله (ص) وما كانوا يُبرِّرون به تكذيبهم لدعواه بأنَّه رسولٌ من الله تعالى إليهم، فهم يُنكرون عليه ذلك ويقولون لماذا لا تنزلُ علينا الملائكة أو نرى ربَّنا عيانًا فيُخبرنا بأنَّك رسول أو بما يُريده لنا من الدِّين، ثم تتصدَّى الآيةُ لبيان الباعثِ لهم على هذا الطلبِ المُستهجن، فالباعثُ لهم على ذلك هو الاستعلاء والكبرُ الذي انطوت عليه نفوسُهم، ثم إنَّ الآية التي بعدها أفادت أنَّهم سوف يرون الملائكة ولكن ليس حيثُ يُريدون ويقترحون، سوف يرون الملائكة في يومٍ يكون نصيبُهم فيه اليأسَ من البشرى بالنجاة حينذاك سوف يكون مقامُهم مقامَ الخائف المُستعيذ من العذاب الذي يلوحُ من ظاهر حال الملائكة أو يكونُ مقامُهم مقاَم البائس اليائس من النجاة وتُخاطبُهم الملائكةُ حينذاك بما يُضاعفُ من كربِهم وخيبتِهم: إنَّ الجنَّة محجورةٌ عليكم لا مطمح لكم في الحظوة بدخولِها وهذا هو معنى: ﴿وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ أي تقولُ الملائكة للمجرمين إنَّ الجنة حرامٌ محرَّمةٌ عليكم.
فالمعنيان يستقيمان مع سياق الآيتين، فإمَّا أنْ يكونَ مقامُ المجرمين - حين يرون الملائكة يوم البعث – مقامَ الخائفِ المستعيذ فيُخاطبون الملائكة بما كانوا يخاطبون به مَن يخافونه على أنفسهم في الدنيا فيقولون حجرًا محجورًا أي نحن عائذون مستجيرون فكفُّوا عنَّا عذابكم أو يكونَ مقامُهم مقامَ البائس اليائس فتُخاطبُهم الملائكةُ بما يزيدهم شعورًا بالبؤس واليأس، تخاطبهم بقولِها إنَّ الجنَّة مُحرَّمة عليكم.
____________________________________
1- الفرقان/22.
2- الفرقان/21-22
د. سيد جاسم العلوي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد محمد حسين الطهراني
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حبيب المعاتيق
عبدالله طاهر المعيبد
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
زهراء الشوكان
(المشكلة الاجتماعيّة، دراسة إبستيمولوجية) جديد الدكتور حسن العبندي
المجتبى: نعش على قارعة السّهام
نظريّة المعرفة عند كارل بوبر (1)
سورة الناس
إسلام الراهب بُرَيْهَة على يد الإمام الكاظم (ع)
النسخ في القرآن إطلالة على آية التبديل (وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ) (3)
هل نحتاج أن نقرأ لنتعلّم أم يكفي الاستماع؟ ماذا يقول علم الأعصاب؟
اختتام النّسخة العاشرة من حملة التّبرّع بالدّم (دمك حياة)
الإمام الكاظم (ع) في مواجهة الحكّام العبّاسيّين
السّيّدة رقيّة: اليتيمة الشّهيدة