السيد عباس نور الدين
حين نتحدّث عن التواصل الفعّال بين الأجيال، فنحن نشير إلى درجة مهمّة من الثقة ومن الإيمان بأهمية التواصل الشفهيّ والكلاميّ.
التواصل الفعّال يُبنى على عمودين: الأول ثقة الآباء والأمهات بعقول أولادهم، والثاني ثقة الأولاد بحكمة الوالدين وحرصهما وإشفاقهما.
قد تكون المشكلة أحيانًا في أنّ الآباء لا يجدون في أبنائهم القدرة على استيعاب ما يقولون، وقد تكون هذه المشكلة ناشئة من خوف الوالدين من دفع أولادهم إلى عقوقهم؛ فيحجمان عن إرشادهم والطلب منهم وإصدار الأوامر لهم، خشية أن يعتاد الأبناء على المخالفة والعصيان، فتسقط هيبة الوالدين، ويستسهل عندها تجاوز الحدود.
ولكن يبدو أنّ لهذه المشكلة إن حصلت جذورًا ترجع إلى مواقف خاطئة جرت في مراحل سابقة. فغالبًا ما يحدث أن يعين الآباء أولادهم على عقوقهم من دون أن يشعروا، سواء من خلال الدلال الزائد أو القمع المبالغ فيه؛ فالإفراط في تأمين الحاجات والرعاية، والتفريط بذلك، هما عاملان أساسيان في افتقاد الأبناء للرؤية الواضحة للحدود والموقعية والمكانة الحقيقية للوالدين.
أمّا الإفراط في تلبية الطلبات، فإنّه يشعر الأبناء بنوع من المنّة والاستحقاق، حيث يرون آباءهم كخدم لهم، مهمّتهم بل واجبهم في هذه الحياة أن يؤمّنوا حاجاتهم مهما كانت. وحين يقصّر الآباء أو يقصرون عن تأمين ما اعتادوا عليه، أو يجدون ضررًا في ذلك على أبنائهم، فقد يشعر الأبناء بنوع من الجفاء المفاجئ، ممّا يحملهم على مواقف سلبية وردّات فعل سيّئة.
وأمّا التفريط في تأمين الحاجات، فإنّه يسلب الآباء الدور والموقعية التي يتوقّعها الأبناء بحكم احتياجهم المبرم لهم. فالأب أو الأم بالنسبة لأكثر الأبناء هما وسيلة تأمين الحاجات لا أكثر؛ فإذا لم يجد الأبناء الحد الأدنى من الحاجات، فسوف تضعف نظرتهم إلى الوالدين، ولا يجدون رغبة في الإحسان إليهم والتفاعل معهم.
ولهذا، ما لم يتمكّن الوالدان من ترسيخ قيمة الأبوّة والأمومة من موقع الوجود وقيمة الحياة، فمن الصعب أن يتمكّن الأبناء من برّهما وعدم عقوقهما.
إنّ الأصل الذي ينبغي أن تُبنى عليه العلاقة بين الوالدين والأولاد هو ما نعبّر عنه هنا بالقيمة الذاتية للحياة، وذلك بمعزل عن إضافة أي شيء آخر. فوجود الإنسان بحدّ ذاته في هذا العالم هو خيرٌ عظيم وفضلٌ كبير، وحياته فيه هي منّة كبرى، لا تعادلها منّة. ولو أنجب الوالدان ثمّ توفّيا أو اختفيا في لحظة الولادة، لبقيت لهما المنّة والمنزلة الرفيعة، كونهما كانا واسطة للإيجاد. والوجود هو أصل كل خير، وعلى أساسه تقوم جميع الخيرات.
أمّا العامل الآخر الذي ينبغي أن تتمحور حوله التربية، ويؤدّي إلى ترسيخ الثقة بالوالدين، فهو إشعار الأولاد بعمق العاطفة الأبوية والحنان الأموميّ. ولا شك بأنّ إدراك الأبناء لمثل هذه المشاعر والعواطف بحقيقتها ودرجتها أمرٌ صعب جدًّا، لكن إدراك بعض درجاته قد يكون مساعدًا كثيرًا على مستوى التأثير والشعور بأهمية التواصل.
فحين يشعر الأبناء بحرص الآباء وإشفاقهم عليهم وشدّة اهتمامهم بمصيرهم وسعادتهم ويدركون حجم التضحيات التي يبذلونها من أجلهم، فإنّ هذا يعطف قلوبهم عليهم ويجعلهم أكثر إصغاءً وانتباهًا لما سيصدر عنهم. ولو تأمّلنا في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه الحسن (عليه السلام) فسوف نلاحظ كيف يستعمل الإمام هذا الأسلوب في بداية الوصية، أملًا في جذب قلب الابن والتأكيد على المنبع الأساس لهذه الإرشادات، فيقول عليه السلام: "وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي، حَتَّى كَأَنَّ شَيْئًا لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي، وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي، فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِيني مِنْ أَمْرِ نَفْسِي، فَكَتَبْتُ إِليْكَ كِتَابِي هَذا، مُسْتظْهِرًا بِهِ إِنْ أَنا بَقِيتُ لَكَ أَوْ فَنِيتُ".[1]
ـــــــــــــــ
[1]. نهج البلاغة، ص 391 - 392
إيمان شمس الدين
الشيخ باقر القرشي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ حسين الخشن
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد مهدي الآصفي
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشّيخ صالح آل إبراهيم: كيف تنقذ زواجك من الانهيار؟
التسارع والتباطؤ وإنتاج المعارف (4)
تحمّل المسؤوليّة، عنوان الحلقة الثّالثة من برنامج (قصّة اليوم)
ناصر الرّاشد: كيف يستمرّ الحبّ؟
من بحوث الإمام الرّضا (ع) العقائديّة (2)
الإمام الرضا (ع) والمواقف من النظام (2)
شيء من الحنين الرّضويّ
الإمام الرّضا: كعبة آمال المشتاقين
العلّة من وراء خلق الشّيطان والشّرّ
السّكينة والحياة السّعيدة