ربما يقال: هب أن الإسلام لتعرضه لجميع شؤون الإنسانية الموجودة في عصر نزول القرآن، كان يكفي في إيصاله مجتمع ذلك العصر إلى سعادتهم الحقيقية، وجميع أمانيهم في الحياة، لكن الزمن استطاع أن يغير طرق الحياة الإنسانية، فالحياة الثقافية والعيشة الصناعية في حضارة اليوم لا تشبه الحياة الساذجة قبل أربعة عشر قرنًا، المقتصرة على الوسائل الطبيعية الابتدائية، فقد بلغ الإنسان إثر مجاهداته الطويلة الشاقة مبلغًا من الارتقاء والتكامل المدني لو قيس إلى ما كان عليه قبل عدة قرون كان كالقياس بين نوعين متباينين، فكيف تفي القوانين الموضوعة لتنظيم الحياة في ذلك العصر للحياة المتشكلة العبقرية اليوم؟ وكيف يمكن أن تحمل كل من الحياتين أثقال الأخرى؟
والجواب: إن الاختلاف بين العصرين من حيث صورة الحياة لا يرجع إلى كليات شؤونها، وإنما هو من حيث المصاديق والموارد وبعبارة أخرى يحتاج الإنسان في حياته إلى غذاء يتغذى به، ولباس يلبسه، ودار يقطن فيها ويسكنها، ووسائل تحمله وتحمل أثقاله وتنقلها من مكان إلى آخر، ومجتمع يعيش بين أفراده، وروابط تناسلية وتجارية وصناعية وعملية وغير ذلك.
وهذه حاجة كلية غير متغيرة ما دام الإنسان إنسانًا ذا هذه الفطرة والبنية، وما دامت حياته هذه الحياة الإنسانية، والإنسان الأولي وإنسان هذا اليوم في ذلك على حد سواء.
وإنما الاختلاف بينهما من حيث مصاديق الوسائل التي يرفع الإنسان بها حوائجه المادية، ومن حيث مصاديق الحوائج حسب ما يتنبه لها وبوسائل رفعها.
فقد كان الإنسان الأولي مثلاً يتغذى بما يجده من الفواكه والنبات ولحم الصيد على وجه بسيط ساذج، وهو اليوم يهيئ منها ببراعته وابتداعه ألوفًا من ألوان الطعام والشراب ذات خواص تستفيد منها طبيعته، وألوان يستلذ منها بصره، وطعوم يستطيبها ذوقه، وكيفيات يتنعم بها لمسه، وأوضاع وأحوال أخرى يصعب إحصاؤها.
وهذا الاختلاف الفاحش لا يفرق الثاني من الأول من حيث إن الجميع غذاء يتغذى به الإنسان لسد جوعه وإطفاء نائرة شهوته. وكما أن هذه الاعتقادات الكلية التي كانت عند الإنسان أولاً لم تبطل بعد تحوله من عصر إلى عصر، بل انطبق الأول على الآخر انطباقًا، كذلك القوانين الكلية الموضوعة في الإسلام طبق دعوة الفطرة واستدعاء السعادة لا تبطل بظهور وسيلة مكان وسيلة، ما دام الوفاق مع أصل الفطرة محفوظًا من غير تغير وانحراف.
وأما مع المخالفة فالسنة الإسلامية لا توافقها سواء في ذلك العصر القديم، والعصر الحديث. وأما الأحكام الجزئية المتعلقة بالحوادث الجارية التي تحدث زمانًا وزمانًا وتتغير سريعًا بالطبع كالأحكام المالية والانتظامية المتعلقة بالدفاع وطرق تسهيل الارتباطات والمواصلات والمؤسسات البلدية ونحوها، فهي مفوضة إلى اختيار الوالي ومتصدي أمر الحكومة، فإن الوالي نسبته إلى ساحة ولايته كنسبة الرجل إلى بيته، فله أن يعزم على أمور من شؤون المجتمع في داخله أو خارجه، مما يتعلق بالحرب أو السلم مالية أو غير مالية، يراعي فيها صلاح حال المجتمع بعد المشاورة مع المسلمين كما قال تعالى: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) (1) كل ذلك من الأمور العامة.
وهذه أحكام وقواعد جزئية تتغير بتغير المصالح والأسباب التي لا تزال يحدث منها شيء ويزول منها شيء، غير الأحكام الإلهية التي يشتمل عليها الكتاب والسنة ولا سبيل للنسخ إليها....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران، الآية: 159.
د. سيد جاسم العلوي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد محمد حسين الطهراني
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حبيب المعاتيق
عبدالله طاهر المعيبد
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
زهراء الشوكان
نظريّة المعرفة عند كارل بوبر (1)
سورة الناس
إسلام الراهب بُرَيْهَة على يد الإمام الكاظم (ع)
النسخ في القرآن إطلالة على آية التبديل (وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ) (3)
هل نحتاج أن نقرأ لنتعلّم أم يكفي الاستماع؟ ماذا يقول علم الأعصاب؟
اختتام النّسخة العاشرة من حملة التّبرّع بالدّم (دمك حياة)
الإمام الكاظم (ع) في مواجهة الحكّام العبّاسيّين
السّيّدة رقيّة: اليتيمة الشّهيدة
وما تُغْنِي الآياتُ والنُّذُرُ
إيثار رضا الله