نتحدَّث[هنا] حول نبوّةِ رسولِ الإسلام «محمد بن عبد الله» خاصّة، وقبل ذلك نُذكّرُ بأنَّ النبوّة يمكن أنّ تثبت لشخصٍ بثلاثة طرق:
ألف : الإتيان بالمعجزة مقروناً بادّعاء النبوّة.
ب : جمع القرائن والشواهد التي تشهد بصدق دعواه.
ج : تصديق النبي السابق.
إنّ نبوّة رسولِ الإسلام يمكن أن تثبت بجميع الطرُق الثلاثة المذكورة، وها نحن نذكرها بصورة مختصرة:
إنّ التاريخَ القاطعَ الثابتَ يشهد بأنّ رسول الإسلام قَرَنَ دعوَته بالإتيان بمعاجز عديدة مختلفة، إلاّ أنّه كان يؤكّد، من بين هذه المعاجز ـ على واحدة منها، وهي في الحقيقة معجزته الخالدة، ألا وهي «القرآن الكريم».
فإنّ نبيّ الإسلام أعلن عن نبوّته ورسالته بالإتيان بهذا الكتاب السَّماويّ، وتحدّى الناسَ به، ودعاهم إلى الإتيان بمثله إن استطاعوا، ولكن لم يستطع أحدٌ ـ رغم هذا التحدِّي القرآنيّ القاطع ـ أنْ يأتي بمثله في عَصر النبوّة.
واليوم وبعد مرور القرون العديدة لا يزال القرآنُ يتحدّى الجميع ويقول: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] وفي موضع آخر يقول، وهو يقنع بأقلّ من ذلك: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: 13] { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23].
إنّنا نعلمُ أنّ أعداء الإسلام لم يألوا جُهداً طيلة (15) قرناً من بدء ظهور الإسلام من توجيه الضربات إليه، ولم يفتروا عن محاولة إلحاق الضرر بهذا الدين، والكيد له بمختلف ألوانِ الكيد، وحتى أنّهم استخدموا سلاح اتّهام رسولِ الإِسلام بالسّحرِ، والجنون، وما شابه ذلك، ولكنّهم لم يَستطيعوا قطّ مقابلةَ القرآن الكريم، ومعارضته فقد عجزوا عن الإتيانِ حتى بآية قصيرة مثل آياته.
والعالمُ اليوم مجهَّزٌ كذلك بكل أنواع الأفكار والآلات، ولكنّه عاجز عن مجابهة هذا التحدّي القرآنيّ القاطع، وهذا هو دليلٌ على أنّ القرآنَ الكريمَ فوق كلامِ البشر.
[و] كانت لرسول الله معاجزُ مختلفة ومتعدّدة دُوّنَتْ في كُتُب التاريخ والحديث، ولكنّ المعجزة الخالدة التي تتلألأُ من بين تلك المعاجز في جميع العُصُور والدهور هو القرآن الكريم، والسرُّ في اختصاص رسول الإسلام، بمثل هذه المعجزة من بين جميع الأنبياء، هو أنَّ دينه دينٌ خاتِمٌ، وشريعَتهُ شريعةٌ خاتمةٌ وخالدةٌ، والدينُ الخالدُ والشريعة الخاتمة بحاجة إلى معجزةٍ خالدةٍ لتكون برهانَ الرسالة القاطع لكلِ عصرٍ وجيلٍ، ولتستطيع البشرية في جميع القرون والدُّهور أنْ ترجع إليه مباشرةً من دون حاجةٍ إلى شهاداتِ الآخرين وأقوالهم.
إنّ القرآنَ الكريم يتّسمُ بصفة الإعجاز مِن عدة جهات، يحتاج البحث فيها بتفصيلٍ، إلى مجالٍ واسعٍ ... ولكنّنا نشير إليها على نحو الإيجاز:
في عصر نزول القرآن الكريم كان أوّلُ ما سَحَر عيونَ العرب، وحيّر أرباب البلاغة والفصاحة منهم جمالُ كلمات القرآن، وعجيبُ تركيبه، وتفوّقُ بيانه، الذي يُعبَّر عن ذلك كله بالفصاحةِ والبلاغة.
إنّ هذه الخصُوصية كانت بارزةً ومشهودةً للعرب يومذاك بصورةٍ كاملةٍ، ومن هنا كان رسولُ الله ـ بتلاوة آيات الكتاب، مرةً بعد أُخرى، وبدعوته المكرّرة إلى مقابلته والإتيان بمثله إن استطاعوا ـ يدفع عمالقة اللغة والأدب، وأبطال الشعر وروّاده، إلى الخضوع أمام القرآن، والرضوخ لعظمة الإسلام، والاعتراف بكون الكلام القرآنيّ فوق كلامِ البشر.
فها هو «الوليد بن المغيرة» أحد كبار الشعراء والبلغاء في قريش يقول ـ بعد أنْ سمع آياتٍ من القرآنِ الكريمِ تلاها عليه رسولُ الإسلام، وطُلب منه أنْ يبدي رأيه فيهاـ : «وَوالله إنّ لِقَوله الّذي يقولُ لَحلاوةً، وإنّ عليه لطَلاوةً، وإنّه لَمُثْمرٌ أَعلاهُ، مُغدِقٌ أَسْفَلُهُ، وإنّه لَيَعْلُو وما يُعلى»(1)
وليس «الوليدُ بن المغيرة» هو الشخص الوحيدُ الذي يحني رأسه إجلالاً لجمال القرآن الظاهري، ولجلاله المعنوي، بل ثمة بلغاء غيره من العرب مثل: «عتبة بنِ ربيعة» و «الطفيلِ بن عمرو» أَبدَوا كذلك عجزَهم تجاه القرآن، واعترَفُوا بإعجاز القرآن الأدَبي.
على أنّ العَرَب الجاهليين نَظَراً لِتَدَنّي مستوى ثقافتهم لم يُدرِكوا من القرآن الكريم إلاّ هذا الجانبَ، ولكن عندما أشرقت شمسُ الإسلام على رُبع الكرة الأرضية، وعَرَفَتْ به جماعاتٌ بشريةٌ أُخرى اندفعَ المفكّرون إلى التدبّر في آيات هذا الكتاب العظيم، ووقفوا مضافاً إلى فصاحَته وبلاغته، وجمال أسلوبه، وتعبيره، على جوانب أُخرى من القرآنِ الكريم والتي يكون كلُ واحدة منها بصورة مستقلّة خيرَ شاهدٍ على انتمائه إلى العالم القدسيّ، ونشأتهِ من المبدأ الأعلى للكون.
وهكذا تنكشف في كلّ عَصر جوانب غير متناهية لهذا الكتاب العظيم.
[و] إنّ تصديقَ النبيّ السابق للنبيّ اللاحقِ هو أحد الطرق لإثبات دعوى النبوة وذلك لأنّ الفرض هو أنّ نبوة النبيّ السابق قد ثبتت بالأدلّة القاطعة، ولهذا من الطبيعي أن يكون كلامُه سنداً قاطعاً للنبوّة اللاحقة، ويُستفادُ من بعض الآيات القرآنيّة أنَّ أهلَ الكتاب كانوا يعرفون رسول الإسلام كما يعرفون أبناءهم، يعني أنّهم قرأوا علائم نبوَّته في كتبهم السَّماوية، وقد ادّعى رسولُ الإسلام هذا الأمر، ولم يكذّبه أحدٌ منهم أيضاً، كما يقول: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146].
إنّ رسولَ الإسلام ادّعى أنّ السيد المسيحَ عيسى ابنَ مريم عليه السلام بشّر به، وإنّه يأتي من بعده نبيٌّ اسمُه «أحمد»: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].
كما وأنَّ من الطريف أنْ نَعلمَ أنّ الإنجيل رغم تعرُّضه للتحريف منذ قرون قد جاءَ في إحدى نُسَخِهِ وهو إنجيل يوحنا (الإصحاح 14، 15، 16) تَنَبّؤٌ بمجيء شخصٍ بعد السيد المسيح يُدعى «فارقلِيطا» (أي محمد ـ بالسريانيّة) يمكن للمحقّقين الرجوع إلى ذلك، للوقوف على الحقيقة.(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مستدرك الحاكم 2 | 50 .
(2) وقد دُوّنت كتبٌ تجمع بشاراتِ العهدين بمجيء رسول الإسلام، وتبحث حولها وللمثال راجع في الصدد كتاب «أنيس الأعلام».
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ جعفر السبحاني
عدنان الحاجي
الشيخ فوزي آل سيف
حيدر حب الله
الشيخ محمد صنقور
الشيخ حسين الخشن
السيد عباس نور الدين
الشيخ علي آل محسن
الشيخ مرتضى الباشا
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
قراءة في كتاب (العدل الإلهي) للشهيد مطهري
العبادة والتّعلّم
آداب التّكسّب
طرق إثبات النبوة الخاصة
المخاطر الحقيقية للاعتقاد بعلاجات غير معتمدة طبيًّا
الرّكب الحسينيّ في المدينة المنوّرة (1)
التغيير المجتمعي، مراحله ومعالمه وأدبيّاته: مطالعة في ضوء القرآن الكريم (4)
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ودعوى احتباس الوحي (2)
لمن يكتب الفيلسوف؟
عقيدتنا في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية