
المعروف بين اللغويين أنّ البعل والزوج مترادفان، وهذا ما نصّوا عليه في مواضع كثيرة، لكنّ بعض المتأخّرين من اللغويين حاول التمييز، فجعل الفرق بين البعل والزوج في أنّ الرجل لا يكون بعلاً للمرأة حتى يدخل بها، وذلك أنّ البعال هو النكاح والملاعبة. ولكنّ هذا التمييز غير صحيح أو على الأقل لا دليل من قدامى اللغويين عليه، فكما يحتمل أنّ البعال أطلق على الملاعبة والنكاح نتيجة لمعنى مباشر له، ومنه اشتقّ لفظ البعل، كذلك يحتمل أنّ البعل بمعنى الزوج، وعبّر بالبعال عن الملاعبة؛ لأنّ الملاعبة فعلُ الزوج، فيكون الأصل اللغوي هو الزواج أيضاً.
ونحن لو تأمّلنا الجذر اللغوي لكلمة بعل، فسوف نرى أنّها ترجع إلى ثلاثة أصول، قال ابن فارس في (معجم مقاييس اللغة 1: 264 ـ 265): (بعل: الباء والعين واللام أصول ثلاثة، فالأوّل الصاحب يقال للزوج بعل. وكانوا يسمّون بعض الأصنام بعلاً. ومن ذلك البعال وهو ملاعبة الرجل أهله. وفي الحديث في أيام التشريق إنها أيام التشريق إنها أيام أكل وشرب وبعال.. والأصل الثاني جنسٌ من الحيرة والدهش يقال: بعل الرجل إذا دهش. ولعلّ من هذا قولهم: امرأة بعلة إذا كانت لا تحسن لبس الثياب. والأصل الثالث البعل من الأرض المرتفعة التي لا يصيبها المطر في السنة إلا مرّة واحدة. ومما يحمل على هذا الباب الثالث البعل وهو ما شرب بعروقه من الأرض من غير سقي سماء)، ويمكن مراجعة المصطفوي في (التحقيق في كلمات القرآن الكريم 1: 302) أيضاً. وقال الفراهيدي في (العين 2: 149): (بعل: البعل: الزوج. يقال: بعل يبعل بعلاً وبعولة فهو بعل مستبعل، وامرأة مستبعل، إذا كانت تحظى عند زوجها، والرجل يتعرّس لامرأته يطلب الحظوة عندها. والمرأة تتبعّل لزوجها إذا كانت مطيعةً له. والبعل: أرض مرتفعة لا يصيبها مطر إلا مرّة في السنة).
وهذا يعني أنّ خصوصيّة البعل بمعنى الزوج تكمن في المصاحبة أو في الاستعلاء، ولو راجعنا النصوص القرآنية، سنرى الآيات التالية:
1 ـ قوله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء: 128)، وهذا يحتمل الإشارة إلى ولاية الزوج وعلوّه، لكنّ الأقرب الإشارة إلى المصاحبة، بمعنى أنّ هذا الذي يفترض أن يكون مصاحباً لها، إذا وجدت خلاف صحبته الطبيعية من النشوز أو الإعراض، فالطريق هو الصلح الذي يعيد الأمور إلى ما يفترض أن تكون عليه الحالة الطبيعية للمصاحبة.
2 ـ قوله سبحانه: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور: 31)، وهذه الآية تحتمل أخذ عنصر العلوّ والولاية، كما تحتمل أخذ عنصر المصاحبة، فكأنّ ابن هذا الصاحب هو ابني وأبوه هو أبي وهكذا.
3 ـ قوله عزّ من قائل: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (هود: 71 ـ 73)، ومن القريب أن يكون الاستخدام هنا بقصد بيان الصحبة، فكأنّها تريد القول: إنّ هذا الرجل الذي صاحبته كلّ هذا العمر لم أنجب منه ولداً، أفتراني أنجبه منه الآن؟! وكأنّ طول الصحبة هذه من مقتضيات الإنجاب بحسب العادة، ويمكن هنا أن تكون إشارة إلى الملاعبة، بمعنى أنّ هذا الرجل الذي بيني وبينه بعولة ونكاح وملاعبة لم أنجب منه طيلة هذه المدّة فكيف أنجب الآن؟!
4 ـ قوله عزّ وجلّ: (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (الصافات: 123 ـ 126)، والبعل هنا يراد به كما يظهر المعبود الذي استبدلوه بالله تعالى، وقال عنه المفسّرون واللغويّون بأنّه صنم، وربما يكونه اسماً لهذا الصنم، أو أنّه أريد الإشارة إلى كونه مثلهم من مثليّة المصاحبة المأخوذة في الجذر اللغوي للكلمة، فلا يستحقّ العبادة ما دام مخلوقاً مثلهم.
والنتيجة هي أنّ الاستخدامات القرآنية للبعل تقترب كثيراً من مفهوم المصاحبة والتساوي والمماثلة، وأحياناً من مفهوم الولاية والاستعلاء، والله العالم.
حقيقة التوكل على الله
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
من عجائب التنبؤات القرآنية
الشيخ جعفر السبحاني
تسبيحة السيدة الزهراء (ع)
الشيخ شفيق جرادي
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (3)
إيمان شمس الدين
معنى (عول) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
(التّردّد) مشكلة التسويف، تكنولوجيا جديدة تساعد في التغلّب عليها
عدنان الحاجي
الموعظة بالتاريخ
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
كلام عن إصابة العين (1)
الشيخ محمد هادي معرفة
الدلالة الصوتية في القرآن الكريم (1)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
صفات الأيديولوجي؛ معاينة لرحلة الفاعل في ممارسة الأفكار (7)
محمود حيدر
السيّدة الزهراء: صلوات سدرة المنتهى
حسين حسن آل جامع
الصّاعدون كثيرًا
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
محفّز جديد وغير مكلف يسرّع إنتاج الأوكسجين من الماء
حقيقة التوكل على الله
من عجائب التنبؤات القرآنية
فاطم حلّ نورها
محاضرة في مجلس الزّهراء للدّكتور عباس العمران حول طبّ الأطفال حديثي الولادة
تسبيحة السيدة الزهراء (ع)
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (3)
(الكمال المزيّف) جديد الكاتبة سوزان آل حمود
لـمّا استراح النّدى
شتّان بين المؤمن والكافر