ثانيًا: القرائن المستفادة من الروايات:
وأما القرائن المُستفادة من السُنَّة القطعيَّة فنذكر لها نماذج:
النموذج الأول: روايات الحوض
وهي رواياتٌ كثيرةٌ وصريحةٌ تبلغ حدَّ التواتر، مفادُها أنَّ جمعاً من أصحاب النبيِّ (ص) سوف يُحال دون وصولِهم للحوض يوم القيامة وسيُمنعون من ورودِه والشرب منه، وذلك لانَّهم أحدثوا بعد رسول الله (ص) وبدَّلوا وغيّروا فاستوجبوا الحرمانَ من ورود الحوض.
فمن هذه الروايات: ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس عن النبيِّ (ص) قال: "ليرِدنَّ عليَّ ناس من أصحابي الحوضَ حتى عرفتُهم اختلجوا دوني فأقولُ أصحابي فيقولُ: لا تدري ما أحدثوا بعدك(1).
ومنها: ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن سهل بن سعد قال: قال النبيُّ (ص): "إني فرَطُكم على الحوض مَن مرَّ عليَّ شرِب، ومَن شرِب لم يظمأ أبداً، ليرِدنَّ عليَّ أقوامٌ أعرفهم ويعرفوني ثم يُحال بيني وبينهم"، قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعتَ من سهل؟ فقلتُ: نعم، فقال: أشهدُ على أبي سعيد الخدري لسمعتُه وهو يزيد: "فأقولُ إنَّهم مني فيُقال إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول سُحقاً لمن غيَّر بعدي .."(2).
ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): "ترِدُ عليَّ أمتي الحوض وأنا أذودُ الناس كما يذودُ الرجل إبلَ الرجل عن إبله: قالوا: يا نبيَّ الله أتعرفُنا؟ قال: "نعم لكم سيما ليست لأحدٍ غيركم، ترِدون عليَّ غرَّاً محجَّلين من آثار الوضوء وليُصدَّن عني طائفةٌ منكم فلا يَصلون، فأقول يا ربِّ هؤلاءِ أصحابي فيُجيبني ملكٌ فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك"(3).
ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن عبد الله قال: قال رسول الله (ص): "أنا فرَطُكم على الحوض ولأنازِعنَّ أقواماً ثم لأُغلبنَّ عليهم فأقول يا ربِّ أصحابي، فيُقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك"(4).
ومنها: ما رواه البخاري بسنده عن ابن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قال النبيُّ (ص): "إنِّي على الحوض حتى أنظر مَن يَرِد عليَّ منكم، ويُؤخذ ناسٌ دوني، فأقول: يا رب منِّي ومن أمتي، فيقال: هل شعرتَ ما عملوا بعدك، والله ما برحوا يرجعون على أعقابِهم".
فكان ابنُ أبي مليكة يقول: "اللهمَّ إنَّا نعوذُ بك أنْ نرجع على أعقابِنا أو نُفتنَ عن دينِنا"(5).
ومنها: ما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة أنَّه كان يُحدِّث أنَّ رسول الله (ص) قال: "يرِد عليَّ يوم القيامة رهطٌ من أصحابي فيُحلَّئون عن الحوض، فأقولُ: يا ربِّ أصحابي، فيقول: إنَّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنَّهم ارتدُّوا على أدبارِهم القهقرى"(6).
وليس المراد من الارتداد هو الشرك بعد الإيمان وإنَّما هو الانصراف عن مقتضيات الإيمان كما تدلُّ على ذلك رواياتٌ عديدة كالتي رواها البخاري بسنده عن عقبة ابن عامر قال: صلَّى رسول الله (ص) على قتلى أُحد بعد ثماني سنين كالمودِّع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال: "إنِّي بين أيديكم فرَطٌ وأنا عليكم شهيدٌ، وإنَّ موعدَكم الحوض وإنِّي لأنظر إليه من مقامي هذا وإنِّي لستُ أخشى عليكم أن تُشركوا ولكنِّي أخشى عليكم الدنيا أنْ تنافسوها" قال: فكان آخر نظرةٍ نظرتُها إلى رسولِ الله (ص)(7)، ورواه مسلم بسنده عن عقبة إلا أنَّه ورد في ذيله: "إنِّي لست أخشى عليكم أن تُشركوا بعدي ولكنِّي أخشى عليكم الدنيا ان تنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم"(8).
فهل يصحُّ وصفُ هؤلاء الذين أحدثوا وبدَّلوا وغيَّروا بأنَّ: ﴿مثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ..﴾(9).
النموذج الثاني: روايات الفئة الباغية
ما ورد بأسانيد صحيحة عن النبيِّ (ص) أنَّ عمَّار بن ياسر تقتلُه الفئةُ الباغية وإنَّه يدعوهم إلى الجنَّة ويدعونَه إلى النار.
منها: ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن عكرمة قال: قال لي ابنُ عباس ولابنه انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه، فانطلقنا فإذا هو في حائط يُصلحُه فأخذ رداءَه فاحتبى ثم أنشا يُحدِّثنا حتى أتى ذكر بناء المسجد فقال: كنَّا نحمل لَبِنة ولبنة وعمار لَبِنتين لبنتين فرآه النبيُّ (ص) فينفضُ التراب عنه ويقول: "ويح عمار تقتلُه الفئةُ الباغية يدعوهم إلى الجنَّة ويدعونه إلى النَّار" قال: يقول عمار: أعوذُ بالله من الفِتَن(10).
ورواه بسندٍ آخر ورد في ذيله "مسح عن رأسِه الغبار وقال (ص): "ويح عمَّار تقتلُه الفئةُ الباغية يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النَّار"(11).
ومنها: ما رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بسسندٍ وصفَه بالصحيح على شرط الشيخين عن أبي بكر بن حازم قال: لما قُتِل عمَّار بن ياسر دخل عمرو بن حازم على عمرو بن العاص قال: قُتِل عمار، وقد قال رسولُ الله (ص) تقتلُه الفئةُ الباغية، فقام عمرو بن العاص فزِعاً حتى دخل على معاوية، فقال: له معاوية ما شأنُك؟ قال: قُتِل عمار، فقال معاوية: قُتِل عمار فماذا؟ فقال عمرو: سمعتُ رسول الله (ص) يقول: تقتلُه الفئةُ الباغية، فقال معاوية: دَحضِتَ في بولك أَوَنَحنُ قتلناه؟ إنَّما قتله عليٌّ وأصحابُه جاؤوا به حتى ألقوه بين رماحنا أو قال: سيوفنا(12).
وقد روى أحمد بن حنبل في مسنده أكثر من خمس روايات بطرق متعدِّدة اشتملت على انَّ عمار تقتلُه الفئةُ الباغية(13).
ورواه كذلك ابن حبَّان في الصحيح والبيهقي في دلائل النبوَّة والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم كثير(14).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- صحيح البخاري -البخاري- ج7 / ص207.
2- صحيح البخاري -البخاري- ج7 / ص208،207.
3- صحيح مسلم -مسلم النيسابوري- ج1 / ص150.
4- صحيح مسلم -مسلم النيسابوري- ج7 / ص68.
5- صحيح البخاري -البخاري- ج7 / ص209.
6- صحيح البخاري -البخاري- ج7 / ص208.
7- صحيح البخاري -البخاري- ج5 / ص29.
8- صحيح مسلم -مسلم النيسابوري- ج7 / ص67.
9- سورة الفتح / 29.
10- صحيح البخاري -البخاري- ج1 / ص115.
11- صحيح البخاري -البخاري- ج3 / ص207.
12- المستدرك -الحاكم النيسابوري- قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ج2 / ص155.
13- مسند أحمد -أحمد بن حنبل- ج2 / ص206،164، ج3 / ص91،22، ج4 ص199،197، ج6 / ص289.
14- صحيح ابن حبان -ابن حبان- ج15 / ص554، السنن الكبرى -البيهقي- ج8 / ص189، المعجم الكبير -الطبراني- ج23 / ص363.
الشيخ مرتضى الباشا
محمود حيدر
الشيخ محمد صنقور
عدنان الحاجي
الشهيد مرتضى مطهري
السيد جعفر مرتضى
حيدر حب الله
الشيخ شفيق جرادي
السيد عادل العلوي
السيد عباس نور الدين
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ
ميتافيزيقا السؤال المؤسِّس (4)
﴿محمد رسول الله وَالَّذِينَ مَعَهُ..﴾ مناقشة في الإطلاق (3)
سبب عدم قدرة المصابين بالسّكتات الدّماغيّة على القراءة
كيف يكون العلم طريقًا للسّعادة؟
أربعة كتب جديدة لعبدالعزيز آل زايد
أمسية لصدى القصّة المصريّة لمناقشة مجموعة القاصّ ناصر الجاسم: (دم الغّزلان)
جائزة (فيليب جونسون) للمهندس محمد أبوفور كأوّل مهندس عربيّ يفوز بها
الرضا (ع) في مواجهة مؤامرات المأمون
﴿محمد رسول الله وَالَّذِينَ مَعَهُ..﴾ مناقشة في الإطلاق (2)