قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ حسن المصطفوي
عن الكاتب :
من علماء إيران المعاصرين، ولد سنة 1336هـ وتوفي يوم الإثنين 20 جمادي الأولى 1426 هـ عن تسعين سنة، حاصل على شهادة الدكتوراه من كلية الالهيات في تبريز ( المعقول والمنقول). له مؤلفات عديدة منها: rn(التحقيق في كلمات القرآن).

كلمة (فرق)‌ في القرآن الكريم

مصبا - فرقت بين الشي‌ء فرقًا من باب قتل: فصلت أبعاضه. وفرقت بين الحقّ والباطل: فصلت أيضًا، هذه هي اللغة العالية، وبها قرأ السبعة في- فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين، وفي لغة- من باب ضرب، وقرأ بها بعض التابعين.

 

ابن الأعرابيّ: فرقت بين الكلامين فافترقا- مخفّف، وفرّقت بين العبدين فتفرّقا مثقّل في الأعيان، والمخفّف في المعاني. وحكاه غيره: التثقيل مبالغة. وفي الحديث - البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا- يحمل على تفرّق الأبدان. وافترق القوم، والاسم الفرقة بالضمّ. وفارقته مفارقة وفراقًا. والفرقة من الناس وغيرهم، والجمع فرق، والفرق كالفرقة، والجمع أفراق مثل حمل وأحمال، والفريق كذلك. والفرق بفتحتين: مكيال يقال إنّه يسع ستّة عشر رطلاً. وفرق فرقًا من باب تعب: خاف، يتعدّى بالهمزة فيقال أفرقته. والفرقان: القرآن، وهو مصدر في الأصل. والفاروق: الرجل الّذى يفرق بين الأمور.

 

مقا- فرق: أصيل صحيح يدلّ على تمييز وتزييل بين شيئين، من ذلك فرق الشعر. والفرق: القطيع من الغنم، والفلق من الشي‌ء إذا انفلق. والفرقان: كتاب اللّٰه، والصبح وبه يفرق بين الليل والنهار. وإفراق المحموم من حمّاه، لأنّها فارقته.

 

الفرق بين التفريق والتفكيك: أنّ كلّ تفكيك تفريق، وليس كلّ تفريق تفكيكًا. وإنّما التفكيك تفريق الملتزقات من المؤلّفات. والتفريق يكون فيها وفي غيرها.

 

والفرق بين الفصل والفرق: أنّ الفصل يكون في جملة واحدة، ويقال فصل الثوب والكتاب والأمر. ولا يقال فرّق الأمر، فإنّ الفرق خلاف الجمع، فيقال فرّق بين الأمرين.

 

والفرق بين الفرق والتفريق: إنّ الفرق خلاف الجمع. والتفريق جعل شي‌ء مفارقًا لغيره، حتّى كأنّه جعل بينهما فرقًا بعد فرق حتّى تباينا، وذلك أنّ التفعيل لتكثير الفعل.

 

والتحقيق

 

أن الأصل الواحد في المادّة: هو ما يقابل الجمع. كما أنّ النظر في الفصل إلى رفع الوصل. وفي الانفراج إلى مطلق حصول الانفراج والفرجة بين الشيئين. وفي الشقّ إلى حصول انفراج في الجملة سواء حصل تفرّق أم لا- راجع الفرج.

 

فيلاحظ في الفرق: حصول مطلق التفرّق سواء كان بعد وصل أم لا، وسواء كان في المادّيّات أو في المعنويّات، وسواء حصل بينهما فرجة خارجيّة أم لا، فهو ملحوظ بنفسه.

 

فالفرق في المادّيّ المحسوس: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ} [البقرة : 50]. {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء : 130] وفي المعنويّ: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام : 153]. و{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى : 13] ومرجع السبيل إلى الدين، وهو البرنامج في الحياة ماديّة ومعنويّة، في المسير إلى الحقّ.

 

فالتفرّق يدلّ على القبول والمطاوعة والحصول، كما أنّ الافتراق يدلّ على اختيار الفرق والعمل. والمفارقة على الاستمرار والتداوم كما في: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق : 2]. {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم : 14] بمقتضى اختلاف المراتب من جهة الأفكار والصفات النفسانيّة والأعمال، وهذا تفرّق قهريّ غير اختياريّ، بحسب الذاتيّات والاكتسابات. وهذا بخلاف الدنيا، فإنّ العيش المادّيّ والمراتب الدنيويّة يشترك فيها الصالح والطالح.

 

{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} [الدخان : 3 - 5] أي يعرف ويتميّز ويتجلّى كلّ أمر ذي حكمة، من الحقائق والمعارف الإلهيّة والأمور الغيبيّة والحكم اللاهوتيّة.

 

{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} [المرسلات : 1 - 5] سبق في العرف والعصف أنّ الآيات الكريمة تشير إلى المراتب الخمس من السلوك إلى اللّٰه عزّ وجلّ، والنفوس الفارقة يكونون في المرتبة الرابعة، وهي مرتبة رفع الأنانيّة إلى أن يتحقّق الفناء في اللّٰه تعالى، وهنا لك تتميّز حقيقة الإنسانيّة ويعرف مقامه ويتجلّى شأنه ويرتفع حجابه، وفيها يفرق كلّ أمر حكيم ويزول كلّ نقع- فأثرن به نقعا، ويتحقّق الاستباق في السير عن عوالم المادّة- والسابقات سبقا.

 

فالفرقان مصدر كالقرآن والغفران، وزيادة المبنى تدلّ على زيادة في‌ معنى الفرق، وهو صفة عالية ممتازة من أعلى الصفات الإنسانيّة، وتحصل بعد حصول المعرفة والنورانيّة ورفع الحجب المانعة، وبها تتميّز الحقيقة والمعارف الإلهيّة وسبل السلام: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال : 28، 29]. وعلى هذا ينزل الفرقان على كلّ رسول يبلّغ عن اللّٰه عزّ وجلّ، فإنّ من ليس له روح التمييز والفصل، ولا يعرف حقّ الخير والصلاح: فهو على ترديد وشكّ وشبهة في أمره، فكيف يمكن له الإبلاغ والدعوة.

 

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} [الأنبياء : 48]. {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان : 1] فظهر أنّ إطلاق الفرقان على القرآن بهذا الاعتبار: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء : 106] فإنّ أحكامه متقنة ودلائله محكمة ومعارفه قاطعة وحقائقه بيّنة متيقّنة: {لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة : 2] وأمّا الفرق بين الفرق والتفريق: فإنّ النظر في الفرق إلى نفس حصول الفعل وحدوثه: وفي التفريق إلى تعلّق الفعل وتحقّقه في المفعول، وكونه ذا تفرّق، ويلاحظ فيه هذه الجهة، كما في: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} [الأنعام : 159]. {وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ} [النساء : 150]. {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة : 285]. {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة : 102] وكذلك في التفعّل وهو المطاوعة التفعيل، كما في: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران : 103]. {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء : 130]. {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13].

 

فالتفرّق في هذه الموارد تفعيلاً وتفعّلاً إنّما هو بعد تحقّق الجمع، وأنّه أمر حادث في هذه الموضوعات على خلاف ما هي عليه من الجمع والتوحّد. وهذا بخلاف الفرق مجرّدًا، كما في: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [البقرة : 50]. {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} [الإسراء : 106]. {بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة : 25] فكأنّ هذا الفعل إنّما هو متحقّق في أصل الطبيعة، ومتكوّن بجعل الخالق في المرحلة الأولى أو الثانية، والملحوظ هو تحقّق نفس العمل، لا تحقّقه في الموضوعات والمتعلّقات.

 

والفريق : بمعنى الجماعة، إلّا أنّ الجماعة تطلق باعتبار الاجتماع منهم. والفريق يطلق باعتبار افتراقهم عن الجمع. {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ } [البقرة : 75]. { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا} [المؤمنون : 109]. {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} [الأحزاب : 26] ففي استعمال كلّ من كلمات - الجماعة، الفريق، الفئة، القوم، الطائفة، وغيرها: يلاحظ ما فيه من اللطف والخصوصيّة.

_________________
- مصبا = مصباح المنير للفيومي ، طبع مصر 1313 هـ .

‏- مقا = معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، 6 ‏مجلدات ، طبع مصر . 139 ‏هـ.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد