قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

{وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ}

قال تعالى:  {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].

 

ممّا لا شك فيه عدم إمكانية استيعاب ودخول العالم الخارجي في وجودنا، والحاصل الفعلي هو رسم صورة الشيء الخارجي المراد في الذهن وبواسطة الوسائل المعينة لذلك، وعليه.. فمعرفتنا بالعالم الخارجي تكون عن طريق أجهزة خاصّة منها السمع والبصر.

 

وتنقل هذه الآلات والأجهزة كل ما تلتقطه من الخارج لتودعه في أذهاننا وعقولنا، ونقوم بواسطة العقل والفكر بعملية التجزئة والتحليل..

 

ولذلك بيّنت الآية مسألة عدم علم الإنسان المطلق حين الولادة: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النحل: 78] لكي تحصلوا على حقائق الوجود وتدركوها. ونشاهد تقديم ذكر السمع على البصر في الآية مع ما للعين من عمل أوسع من السمع، ولعل ذلك لسبق الأذن في العمل على العين بعد الولادة، حيث أنّ العين كانت في ظلام دامس (في رحم الأم) ونتيجة لشدّة أشعة النّور (بعد الولادة) فإِنّها لا تستطيع العمل مباشرة بسبب حساسيتها، وإنّما تتدرج في اعتيادها على مواجهة النّور حتى تصل للحالة الطبيعية المعتادة.

 

ولذا نجد الوليد في بداية أيّامه الأولى مغلق العين. أمّا بخصوص الأذن.. فثمة مَنْ يعتقد بأنّ لها القدرة على السماع (قليلاً أو كثيراً) وهي في عالم الأجنّة وأنّها تسمع دقات قلب الأم وتعتاد عليها!

 

أضف إِلى ذلك أنّ الإنسان إنّما يرى بعينه الأشياء الحسيّة فقط، في حين أن الأذن تعتبر وسيلة للتربية والتعليم في جميع المجالات، فالإنسان يصل بواسطة سماع الكلمات إلى معرفة جميع الحقائق سواء ما كان منها في دائرة الحس أو ما كان خارجها، وليس للعين هذه السعة، وصحيح أنّ الإنسان يمكنه تحصيل العلم بواسطة القراءة، إلاّ أنّ القراءة ليست عامّة لكل الناس وسماع الكلمات أمر عام.

 

وثمّة ملاحظة ينبغي ذكرها تتعلق بكلمة «الفؤاد»، فقد جاءت هنا بمعنى القلب (العقل) الذي يعيش حالة التوقد، وبعبارة أخرى: يعيش حالة التّفسير والتحليل والابتكار.

 

يقول الراغب في مفرداته: (الفؤاد كالقلب، لكنْ يقال له فؤاد إذا اعتبر فيه معنى التفؤد أي التوقد). ومن المسلّم به أن هذا الموضوع يحصل للإِنسان بعد حصوله على تجارب كافية.

 

وعلى أية حال، فآلات المعرفة وإن لم تنحصر بهذه الأجهزة الثلاث، إلاّ أنّها أفضل الأجهزة جميعاً، لأنّ علم الإنسان إمّا أن يكون عن طريق التجربة أو عند طريق الاستدلالات العقلية، ولا تجربة بدون السمع والبصر، ولا استدلالات عقلية من غير الفؤاد (العقل).

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد