* روى الشّيخ الكلينيّ في (الكافي): «.. عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ كَانَ أَزْهَدَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ عليه السّلام، إِلَّا مَا بَلَغَنِي مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السّلام.
* قَالَ أَبُو حَمْزَةَ: كَانَ الإِمَامُ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ، عليه السّلام، إِذَا تَكَلَّمَ فِي الزُّهْدِ ووَعَظَ أَبْكَى مَنْ بِحَضْرَتِه.
* قَالَ أَبُو حَمْزَةَ: وقَرَأْتُ صَحِيفَةً فِيهَا كَلَامُ زُهْدٍ مِنْ كَلَامِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عليه السّلام، وكَتَبْتُ مَا فِيهَا، ثُمَّ أَتَيْتُ عَلِيَّ بْنَ الحُسَيْنِ، عليه السّلام، فَعَرَضْتُ مَا فِيهَا عَلَيْهِ، فَعَرَفَهُ وصَحَّحَهُ، وكَانَ مَا فِيهَا:
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كَفَانَا اللهُ وإِيَّاكُمْ كَيْدَ الظَّالِمِينَ، وبَغْيَ الحَاسِدِينَ، وبَطْشَ الجَبَّارِينَ. أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ، لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الطَّوَاغِيتُ وأَتْبَاعُهُمْ مِنْ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِي هَذِه الدُّنْيَا، المَائِلُونَ إِلَيْهَا المُفْتَتِنُونَ بِهَا، المُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وعَلَى حُطَامِهَا الهَامِدِ [البالي المُسوَدّ المتغيّر من النّبات]، وهَشِيمِهَا [اليابس المتكسِّر] البَائِدِ غَداً، واحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللهُ مِنْهَا، وازْهَدُوا فِي مَا زَهَّدَكُمُ اللهُ فِيه مِنْهَا، ولَا تَرْكَنُوا إِلَى مَا فِي هَذِه الدُّنْيَا رُكُونَ مَنِ اتَّخَذَهَا دَارَ قَرَارٍ، ومَنْزِلَ اسْتِيطَانٍ. واللهِ إِنَّ لَكُمْ مِمَّا فِيهَا عَلَيْهَا لَدَلِيلاً وتَنْبِيهاً مِنْ تَصْرِيفِ أَيَّامِهَا وتَغَيُّرِ انْقِلَابِهَا ومَثُلَاتِهَا [العقوبات]، وتَلَاعُبِهَا بِأَهْلِهَا؛ إِنَّهَا لَتَرْفَعُ الخَمِيلَ [الّذي لا نباهةَ له]، وتَضَعُ الشَّرِيفَ، وتُورِدُ أَقْوَاماً إِلَى النَّارِ غَداً. فَفِي هَذَا مُعْتَبَرٌ ومُخْتَبَرٌ، وزَاجِرٌ لِمُنْتَبِهٍ.ارْجِعُوا إِلَى طَاعَةِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالطَّاعَةِ
إِنَّ الأُمُورَ الوَارِدَةَ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ مِنْ مُظْلِمَاتِ الفِتَنِ [في بعض النُّسخ: مُلمّات الفِتَن]، وحَوَادِثِ البِدَعِ، وسُنَنِ الجَوْرِ، وبَوَائِقِ الزَّمَانِ، وهَيْبَةِ السُّلطَانِ، ووَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، لَتُثَبِّطُ القُلُوبَ [التّثبيط: الشَّغل عن المراد] عَنْ تَنَبُّهِهَا، وتُذْهِلُهَا عَنْ مَوْجُودِ الهُدَى ومَعْرِفَةِ أَهْلِ الحَقِّ، إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ عَصَمَ اللهُ، فَلَيْسَ يَعْرِفُ تَصَرُّفَ أَيَّامِهَا وتَقَلُّبَ حَالاتِهَا وعَاقِبَةَ ضَرَرِ فِتْنَتِهَا إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللهُ، ونَهَجَ سَبِيلَ الرُّشْدِ وسَلَكَ طَرِيقَ القَصْدِ، ثُمَّ اسْتَعَانَ عَلَى ذَلِكَ بِالزُّهْدِ؛ فَكَرَّرَ الفِكْرَ، واتَّعَظَ بِالصَّبْرِ، فَازْدَجَرَ وزَهِدَ فِي عَاجِلِ بَهْجَةِ الدُّنْيَا، وتَجَافَى عَنْ لَذَّاتِهَا، ورَغِبَ فِي دَائِمِ نَعِيمِ الآخِرَةِ وسَعَى لَهَا سَعْيَهَا، ورَاقَبَ المَوْتَ، وشَنَأَ الحَيَاةَ [أبغضَها] مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ. نَظَرَ إِلَى مَا فِي الدُّنْيَا بِعَيْنٍ نَيِّرَةٍ حَدِيدَةِ البَصَرِ [في بعض النُّسَخ: حديدة النّظر]، وأَبْصَرَ حَوَادِثَ الفِتَنِ، وضَلَالَ البِدَعِ، وجَوْرَ المُلُوكِ الظَّلَمَةِ.
فَلَقَدْ لَعَمْرِي اسْتَدْبَرْتُمُ الأُمُورَ المَاضِيَةَ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ مِنَ الفِتَنِ المُتَرَاكِمَةِ، والِانْهِمَاكِ فِي مَا تَسْتَدِلُّونَ بِه عَلَى تَجَنُّبِ الغُوَاةِ وأَهْلِ البِدَعِ والبَغْيِ والفَسَادِ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ. فَاسْتَعِينُوا بِالله وارْجِعُوا إِلَى طَاعَةِ الله وطَاعَةِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِمَّنِ اتُّبِعَ فَأُطِيعَ.
مَا صَدَرَ قَوْمٌ عَنْ مَعْصِيَةِ الله، إِلَّا إِلَى عَذَابِه
فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنْ قَبْلِ النَّدَامَةِ والحَسْرَةِ، والقُدُومِ عَلَى الله، والوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْه، وتَاللهِ مَا صَدَرَ قَوْمٌ قَطُّ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ إِلَّا إِلَى عَذَابِه، ومَا آثَرَ قَوْمٌ قَطُّ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ إِلَّا سَاءَ مُنْقَلَبُهُمْ وسَاءَ مَصِيرُهُمْ، ومَا العِلمُ بِاللهِ والعَمَلُ إِلَّا إِلْفَانِ مُؤْتَلِفَانِ [الإلف بمعنى الأليف]؛ فَمَنْ عَرَفَ الله خَافَهُ وحَثَّهُ الخَوْفُ عَلَى العَمَلِ بِطَاعَةِ الله، وإِنَّ أَرْبَابَ العِلْمِ وأَتْبَاعَهُمُ الَّذِينَ عَرَفُوا الله فَعَمِلُوا لَه ورَغِبُوا إِلَيْه، وقَدْ قَالَ الله: ﴿..إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ..﴾ فاطر:28، فَلَا تَلْتَمِسُوا شَيْئاً مِمَّا فِي هَذِه الدُّنْيَا بِمَعْصِيَةِ الله، واشْتَغِلُوا فِي هَذِه الدُّنْيَا بِطَاعَةِ الله، واغْتَنِمُوا أَيَّامَهَا، واسْعَوْا لِمَا فِيه نَجَاتُكُمْ غَداً مِنْ عَذَابِ الله، فَإِنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ لِلتَّبِعَةِ، وأَدْنَى مِنَ العُذْرِ، وأَرْجَى لِلنَّجَاةِ؛ فَقَدِّمُوا أَمْرَ اللهِ وطَاعَةَ مَنْ أَوْجَبَ اللهُ طَاعَتَهُ بَيْنَ يَدَيِ الأُمُورِ كُلِّهَا، ولَا تُقَدِّمُوا الأُمُورَ الوَارِدَةَ عَلَيْكُمْ مِنْ طَاعَةِ الطَّوَاغِيتِ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وطَاعَتِهِ وطَاعَةِ أُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ.
واعْلَمُوا أَنَّكُمْ عَبِيدُ الله ونَحْنُ مَعَكُمْ، يَحْكُمُ عَلَيْنَا وعَلَيْكُمْ سَيِّدٌ حَاكِمٌ غَداً، وهُوَ مُوقِفُكُمْ ومُسَائِلُكُمْ، فَأَعِدُّوا الجَوَابَ قَبْلَ الوُقُوفِ والمُسَاءَلَةِ والعَرْضِ عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ، يَوْمَئِذٍ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِه. واعْلَمُوا أَنَّ الله لَا يُصَدِّقُ يَوْمَئِذٍ كَاذِباً، ولَا يُكَذِّبُ صَادِقاً، ولَا يَرُدُّ عُذْرَ مُسْتَحِقٍّ، ولَا يَعْذِرُ غَيْرَ مَعْذُورٍ، لَهُ الحُجَّةُ عَلَى خَلْقِه بِالرُّسُلِ والأَوْصِيَاءِ بَعْدَ الرُّسُلِ.
لَعَلَّ نَادِماً قَدْ نَدِمَ فِيمَا فَرَّطَ بِالأَمْسِ
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، واسْتَقْبِلُوا فِي إِصْلَاحِ أَنْفُسِكُمْ وطَاعَةِ الله (في إصلاح أنفسِكم في طاعة الله)، وطَاعَةِ مَنْ تَوَلَّوْنَه فِيهَا، لَعَلَّ نَادِماً قَدْ نَدِمَ فِيمَا فَرَّطَ بِالأَمْسِ فِي جَنْبِ الله، وضَيَّعَ مِنْ حُقُوقِ الله. واسْتَغْفِرُوا الله وتُوبُوا إِلَيْهِ، فَإِنَّه يَقْبَلُ التَّوْبَةَ ويَعْفُو عَنِ السَّيِّئَةِ ويَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ.
وإِيَّاكُمْ وَصُحْبَةَ العَاصِينَ، ومَعُونَةَ الظَّالِمِينَ، ومُجَاوَرَةَ الفَاسِقِينَ، احْذَرُوا فِتْنَتَهُمْ وتَبَاعَدُوا مِنْ سَاحَتِهِمْ، واعْلَمُوا أَنَّه مَنْ خَالَفَ أَوْلِيَاءَ الله، ودَانَ بِغَيْرِ دِينِ الله، واسْتَبَدَّ بِأَمْرِه دُونَ أَمْرِ وَلِيِّ الله، كَانَ فِي نَارٍ تَلْتَهِبُ تَأْكُلُ أَبْدَاناً قَدْ غَابَتْ عَنْهَا أَرْوَاحُهَا، وغَلَبَتْ عَلَيْهَا شِقْوَتُهَا، فَهُمْ مَوْتَى لَا يَجِدُونَ حَرَّ النَّارِ، ولَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَوَجَدُوا مَضَضَ [وجع المصيبة] حَرِّ النَّارِ. [مَعنى كلام الإمام عليه السّلام أنّ العاصي المخالِف لأمر وليّ الله، كالمَيت بلا روح. لا يستشعر، لغَفلتِه وشقائه، حرَّ النّار التي يتقلّبُ فيها وهو ما يزال في الدّنيا، وهي نار الذّنوب، كما في قوله تعالى: ﴿.. وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾التّوبة:49]
واعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ، واحْمَدُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ، واعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَا تَخْرُجُونَ مِنْ قُدْرَةِ الله إِلَى غَيْرِ قُدْرَتِه، وسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ ورَسُولُه ثُمَّ إِلَيْه تُحْشَرُونَ؛ فَانْتَفِعُوا بِالعِظَةِ، وتَأَدَّبُوا بِآدَابِ الصَّالِحِينَ».
ــــــــ
مجلة شعائر
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ جعفر السبحاني
عدنان الحاجي
الشيخ فوزي آل سيف
حيدر حب الله
الشيخ محمد صنقور
الشيخ حسين الخشن
السيد عباس نور الدين
الشيخ علي آل محسن
الشيخ مرتضى الباشا
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
قراءة في كتاب (العدل الإلهي) للشهيد مطهري
العبادة والتّعلّم
آداب التّكسّب
طرق إثبات النبوة الخاصة
المخاطر الحقيقية للاعتقاد بعلاجات غير معتمدة طبيًّا
الرّكب الحسينيّ في المدينة المنوّرة (1)
التغيير المجتمعي، مراحله ومعالمه وأدبيّاته: مطالعة في ضوء القرآن الكريم (4)
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ودعوى احتباس الوحي (2)
لمن يكتب الفيلسوف؟
عقيدتنا في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية