لا يخفى أن أصل المشي إلى العتبات المقدّسة بصورة عامّة كالمشي إلى مكّة المكرّمة يرجع تاريخه إلى آدم فإنّه مشى إلى بيت الله سبحانه سبعين مرّة.
وأمّا زيارة الإمام الحسين (ع) مشياً على الأقدام، فإنّه يعدّ من أفضل القربات إلى الله عزّ وجلّ، كما أكّد ذلك أئمّتنا الأطهار، فإنه من أبرز مصاديق هذه الفقرة في دعاء كميل عن أمير المؤمنين علي (ع) عن الخضر سلام الله عليه (وليت شعري يا سيّدي ومولاي أتسلّط النار على وجوه خرّت لعظمتك ساجدة... وعلى جوارح سعت إلى أوطان تعبّدك طائعة) فمن أوطان التعبّد وأبواب الإيمان: محمّد وآله الطاهرين، شفعاء الخلق أجمعين.
ثم لمشينا على الأقدام لكلّ المراقد المطهّرة لأئمّتنا الأطهار، ولا سيّما لسيّد الشهداء (ع) وفي خصوص يوم الأربعين، دلالات واضحة تعلن عن ولائنا الخالص لأهل البيت، وتجديد العهد والبيعة منّا له صغاراً وكباراً قلباً وقالباً، شعوراً وشعاراً، بالجوارح والجوانح، وكلّنا نصرخ ونهتف ليسمع العالم بأجمعه، إنّنا مع أئمّة أهل البيت، معهم معهم لا مع عدوّهم، أجل مع الغائب منهم ومع الحاضر، ونلبّي صرخة الإمام الحسين (ع) التي وردت يوم عاشوراء (هل من ناصر ينصرني) فنقول بكلّ وجودنا وحياتنا (لبّيك لبّيك يا حسين) مهما تباعدت الأزمنة والدهور، وإذا قال ولده المهدي المنتظر الطالب بثاره (يا لثارات الحسين) فإنا نقول بكل إخلاص وفداء (لبّيك لبّيك يا داعي الله وداعي رسوله) (لبّيك يا حسين إن لم يجبك بدني عند استغاثتك، ولساني عند استنصارك، فقد أجابك قلبي وسمعي وعيني وبصري) يا قرّة عيني، عسى أن نؤدّي جزءًا لا يتجزأ من حقوقهم المهدورة بهذا المشي المليوني من كلّ أرجاء المعمورة، وفي كلّ عام في مثل زيارة الأربعين.
وإليكم جملة من الروايات المعتبرة الدالّة على استحباب المشي مؤكّداً بنحو عام وآخر في خصوص زيارة الحسين (ع):
1 ـ روى العيّاشي بسنده عن معاوية العجلي قال: كنت عند أبي جعفر (ع) إذ دخل عليه قادم من خراسان ماشياً، فأخرج رجليه وقد تغلفتا ـ أي تشقّقتا ـ وقال: أما والله ما جاءني من حيث جئت إلّا حبّكم أهل البيت، فقال أبو جعفر (ع): والله لو أحبّنا حجر حشره الله معنا، وهل الدين إلّا الحب، إن الله يقول: (قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ آللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ آللهُ) وقال: (يحبّون من هاجر إليهم ) وهل الدين إلّا الحبّ.
2 ـ في زيارة أمير المؤمنين (ع) مشياً: في فرحة الغري عن الإمام الصادق (ع) قال: من زار أمير المؤمنين (ع) ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة حجّة وعمرة، فإن رجع ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة حجتين وعمرتين. وهذا يدلّ بوضوح أن الرجوع مشياً كذلك، فإن له الأجر المضاعف، ومن باب (كلّهم نور واحد) وفي هذه الفضائل المتعلّقة بأصل الإمامة بمنزلة واحدة، ومن باب (تنقيح المناط الاطميناني) الذي يفيد الظن المتأخم للعلم الواقعي، ويسمى بالعلم العادي، نجري الحكم في زيارة الإمام الحسين (ع) لوحدة الملاك، فالذهاب إليه ماشياً له ما له من الأجر والثواب كما في الروايات الشريفة، والإياب منه كذلك ماشياً له ضعف ما له في الذهاب، فاغتنم الفرصة الذهبيّة والعرفانيّة، ولا تحسّ بالتعب والنصب، فإن الحبّ الحسيني يطغى على كل ألم وصعوبة ويسهل كل خطب وهول.
3 ـ عن الإمام الصادق (ع): يا ابن مارد من زار جدّي عارفاً بحقّه كتب الله له بكلّ خطوة حجّة مقبولة وعمرة مبرورة، يا ابن مارد ما يطعم الله النار قدماً غبّرت في زيارة أمير المؤمنين، ماشياً كان أو راكباً، يا ابن مارد اكتب هذا الحديث بماء الذهب.
بيان: غبرت أي علاها الغبار والتراب في طريقه إلى زيارة أمير المؤمنين، وكذلك إلى قبور الأئمّة المعصومين: ومنهم سيّد الشهداء الإمام الحسين (ع).
4 ـ وروى السيّد عبدالكريم بن طاووس عن صفوان الجمّال قال: لما وافيت مع جعفر الصادق (ع) الكوفة يريد أبا جعفر المنصور قال لي: يا صفوان أنخ الراحلة فهذا قبر جدّي أمير المؤمنين (ع) فأنختها ثمّ نزل فاغتسل وغيّر ثوبه وتحفّى ـ أي مشى حافياً من دون نعل أو حذاء ـ وقال لي: افعل مثلما أفعله ـ فقوله وفعله وتقريره حجّة ـ ثمّ أخذ نحو الذكوة (النجف) وقال: قصّر خطاك وألقِ ذقنك نحو الأرض ـ أي أطأ رأسك علامة للتواضع والخشوع ـ فإنّه يكتب لك بكلّ خطوة مئة ألف حسنة، ويمحى عنك مئة ألف سيّئة، ويرفع لك مئة ألف درجة، وتقضى لك مئة ألف حاجة، ويكتب لك ثواب كلّ صدّيق وشهيد مات أو قتل. ثمّ مشى ومشيت معه على السكينة والوقار نسبّح ونقدّس ونهلّل إلى أن بلغنا الذكوات (الشلول)، فوقف (ع) ونظر يمنة ويسرةً وخطّ بعكازته فقال لي: اطلب فطلبتُ، ثمّ أرسل دموعه على خديه، وبدأ بزيارة جدّه أمير المؤمنين (ع).
هذا في زيارة أمير المؤمنين علي (ع)، وكذلك الأمر في زيارة أولاده المعصومين: كزيارة سيّد الشهداء الإمام الحسين بن علي: كما ورد ذلك في الروايات عند الخاصّة والعامّة، ويذكر العشرات من الأحاديث الشريفة التي تنصّ على فضل واستحباب الزيارة مشياً على الأقدام.
5 ـ منها: عن حمّاد بن ثابت عن عبدالله بن الحسن قال: من زار الحسين (ع) لا يريد به إلّا الله فتفطّرت قدماه في ذهابه إليه، كان كمن تفطّرت قدماه في سبيل الله.
6 ـ ومنها: عن الحسين بن ثويبر بن أبي فاختة عن أبي عبدالله (ع) قال في حديث: إذا أتيت أبا عبدالله (ع) فاغتسل على شاطئ الفرات، ثمّ البس ثيابك الطاهرة، ثمّ امش حافياً، فإنّك في حرم من حرم الله وحرم رسوله، وعليك بالتكبير والتهليل والتمجيد والتعظيم لله كثيراً، والصلاة على محمّد وأهل بيته حتّى تصير إلى باب الحائر (باب الحسين).
7 ـ عن صفوان بن مهران قال: إن أبا عبدالله جعفر بن محمّد (ع) لمّا قدم إلى الحيرة، قال لي: هل لك في زيارة قبر الحسين وهل تزوره؟ فقلت: جعلت فداك وكيف لا أزوره في ليلة الجمعةك، وقلت: يا ابن رسول الله هل تزوره يوم الجمعة حتّى نتدرك زيارته؟ قال: نعم يا صفوان، فأتينا كربلاء، ونزل الصادق (ع) قرية الغاضريّة على ضفة الفرات فاغتسل ولبس ثياب الطهر، وتوجّه ماشياً نحو قبر جدّه أبي عبدالله الحسين (ع)، وعند وصوله إلى باب الحرم الشريف، انكبّ على القبر وقال: السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله... إلى آخر الحديث.
فكان الإمام الصادق (ع) ولنا فيه اأسوة حسنة وقدوة صالحة، من أوائل المشاة لزيارة قبر جدّه سيّد الشهداء (ع) وإنّ في زيارته مشياً من الأجر والثواب، ومن الأسرار وفتح الأبواب، وقضاء الحوائج والشفاعة ما لا يعلمه إلّا الله سبحانه وتعالى، وإن اللسان ليعجز، والقلم ليكلّ عن بيانه وإحصائه.
8 ـ عن علي بن ميمون الصائغ عن أبي عبدالله (ع) قال: يا علي زر الحسين ولا تدعه قال: قلت: ما لمن أتاه من الثواب؟ قال: من أتاه كتب الله له بكلّ خطوة حسنة، ومحا عنه سيّئة، ورفع له درجة، فإذا أتاه وكّل الله به ملكين يكتبان ما خرج من (فمه) من خير، ولا يكتب ما يخرج من فيه من شيء ولا غير ذلك، فإذا انصرف ودّعوه وقالوا: يا وليّ الله مغفور لك، أنت من حزب الله وحزب رسوله وحزب أهل بيت رسوله، والله لا ترى النار بعينك أبداً، ولا تراك ولا تطعمك أبداً.
9 ـ عن سدير الصيرفي قال : كنّا عند أبي جعفر (ع) فذكر فتى قبر الحسين (ع) فقال له أبو جعفر (ع): ما أتاه عبد فخطا خطوة، إلّا كتب له حسنة وحُطّت عنه سيّئة.
10 ـ عن أبي الصامت قال: سمعت أبا عبدالله (ع) وهو يقول: من أتى قبر الحسين (ع) ماشياً، كتب الله له بكلّ خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيّئة، ورفع له ألف درجة، فإذا أتيت الفرات فاغتسل وعلّق نعليك وامش حافياً، وامش مشي العبد الذليل، فإذا أتيت باب الحير فكبّر أربعاً ثمّ امش قليلاً، ثمّ كبّر أربعاً، ثمّ ائت رأسه، فقف عليه فكبّر أربعاً وصلّ عنده واسأل الله حاجتك.
السيد عادل العلوي
د. سيد جاسم العلوي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ شفيق جرادي
عدنان الحاجي
الشيخ محمد جواد مغنية
حيدر حب الله
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حبيب المعاتيق
عبدالله طاهر المعيبد
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
زهراء الشوكان
فضيلة المشي في زيارة الإمام الحسين (ع)
يَغُضّوا من أبصارِهم
الحدث الحسيني وإمكانات التحقق التاريخي (3)
مقتل الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام
ثلاثة إصدارات جديدة للدكتور علي الدرورة
دلالات وآثار زيارة الأربعين
معنى قوله تعالى: ﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾
مقتل الامام الحسين (ع) عند ابن كثير الدمشقي
أثر العبادة في السلوك الاجتماعيّ
الحدث الحسيني وإمكانات التحقق التاريخي (2)