مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

أصول التّعامل النّاجح مع الوالدين

غالبًا ما يلتبس على الأبناء نوايا الآباء ودوافعهم فلا يقدرون على تفسير تصرُّفاتهم تجاههم، خصوصًا إذا كانت تتّسم بالشدة والحدة. وبسبب ذلك تحتجب شمس حب الآباء للأبناء خلف غيوم الالتباس والغموض وسوء الظن.

 

وفي المقابل، يعتقد الآباء ـ والكلمة هنا تتضمن الأمهات ـ بأنّ دوافعهم النبيلة تفسّر نفسها ولا حاجة للمزيد من التوضيح. فنحن نريد مصلحة أولادنا وعليهم أن يتفطّنوا إلى ذلك بأنفسهم.

 

ربما تكون الحاجة إلى المزيد من العطف وإظهار الحب سببًا للأبناء لئلا يشعروا بوجود أي حب، خصوصًا إذا اعتادوا على ذلك في مرحلة عمرية معينة حيث الدلال والغناج وشتى أشكال التعبير المباشر، ثم فقدوا ذلك بعد هذه المرحلة كما يحصل كثيرًا.. تراجع التعبيرات العاطفية ومظاهرها المباشرة له أسبابه الوجيهة عند الآباء لأنّها تتحوّل إلى سببٍ لإفساد الأبناء. إنّها مرحلة عمريّة جديدة تتطلب الحزم والتأديب، وهذا ما يخلط الأمور عند الأبناء، بل يكون عاملًا أساسيًّا لبدء مراهقة ترهق الجميع.

 

يعجز الكثير من الآباء عن تفسير هذا التغيير شبه المفاجئ في سلوكياتهم العاطفية، ممّا يوقع أبناءهم في ذلك الالتباس الذي يجعل العلاقة معقّدة. ومع تعقُّد العلاقة يكون الأبناء هم الخاسر الأول، لأنّهم سيفقدون بعض الدعم النفسي والإرشادي وحتى المادي الذي يحتاجون إليه كثيرًا عند الانتقال إلى الحياة الواقعية وتحمُّل المسؤوليات.

 

لو استطاع الآباء أن يصارحوا أبناءهم بذلك لانحلّت العقدة، ولتمكّن الجميع من اجتياز هذه المرحلة الحساسة بأقل ما يمكن من الضغوط المرهقة. الكثير من المراهقة يتبخّر، لأنّ الأبناء لن يحتاجوا إلى اعتماد أشكال المشاغبة للحصول على ما يريدون أو التنفيس عن ضغوطهم.

 

تتضاعف المشكلة حين يرى الآباء في سلوك أبنائهم تحدّيًا مباشرًا لسلطتهم التي هي وسيلتهم الوحيدة لإرشاد سلوك الأبناء وتوجيه حياتهم بعيدًا عن الأخطاء والمشاكل والمخاطر.

 

وفي محاولتهم لاسترجاع سلطتهم أو ما فقدوه منها قد يرتكب الآباء خطأً جسيمًا جدًّا حين يظهرون بمظهر الذي يُبغض أبناءه ويتحامل عليهم ولا يحمل تجاههم أي عاطفة. وفي المقابل، قد يتجذّر هذا الشعور في نفوس الأبناء إلى الدرجة التي يعتقدون معها بأنّ عدوّهم الوحيد في هذه الحياة هو آباؤهم وأمّهاتهم الذين يريدون السيطرة عليهم والتحكُّم بحياتهم وتدمير أحلامهم وكبت رغباتهم.

 

تشهد العديد من المجتمعات مثل هذه الظاهرة التي تحوّلت إلى عقدة أساسية يُطلق عليها مصطلح خاص في علم النفس، وقد نجم عنها تصوُّرات وبرامج ومناهج تطرح حلولًا كارثية تسعى لتجنُّب ما هو أدهى وأوخم.

 

لو كنت مرشدًا لهؤلاء الشباب وتسعى لاستعادة التوازن في العلاقة على قاعدة ترسيخ "بر الوالدين" باعتباره العنصر المحوري في سلامة هذه العلاقة وتمتينها، عليك أن توجّه الشباب نحو هذه الأصول الثلاثة، والتي يمكن أن يتفرّع منها أصول أخرى ونتائج طيبة سريعة الظهور.

 

الأصل الأول: استفد من والديك إلى أقصى حد

 

النظر إلى الوالدين على أنّهما مصدر للكثير من المنافع هو أمرٌ لا يزعجهما، بل على العكس من ذلك يكون سببًا لفرحهما وسرورهما، هذا ما يريد الآباء أن يترسخ في العلاقة "نحن لا نريد سوى مصلحتك ونفعك".

 

حتى لو أخطأ الآباء في تقدير المصلحة هنا أو هناك، فإنّ إقبال الأبناء على الاستفادة القصوى منهم سوف يصلح الأمور ويساهم في إزالة الكثير من الغشاوة التي كانت سببًا في عدم رؤية المصلحة الواقعية.

 

حين يتوجه الأبناء إلى هذا الأصل، فهذا يعني أنّهم قد وضعوا حياتهم على الصراط الصحيح وخرجوا من العشوائية والعبثية التي تُعدّ بمثابة المقتل.

 

أن يقول الأبناء نريد الاستفادة إلى أقصى حد ممكن من شخصٍ أو شيءٍ ما، فهذا يعني أنّهم قد اختاروا طريق التكامل ونجوا من التخبُّط والضلالة. هذه هي العقلانية في أول ظهوراتها. ولأجل ذلك، من لا يقدر على الاستفادة المثلى من والديه لن يتمكّن من تحقيق ذلك مع أصدقائه وزوجته والناس.

 

إنّ العقلانية تتمحور حول جلب المنفعة القصوى ودفع كل أشكال الضرر. ولكي تسود وتصبح موجّهًا رئيسيًّا لحياتنا يجب أن نضبط مشاعرنا ونسيطر على انفعالاتنا. وكلما تحقق هذا الأمر أسرع كانت حياتنا أهنأ وأسعد.. لذلك يكون أكثر الناس نجاحًا في الحياة هم الذين نجحوا في علاقتهم بآبائهم.

 

الأصل الثاني: لا حاجة للمشاكل من أجل تحقيق الرغبات

 

الكثير من الأبناء ينشأون على أسلوبٍ واحد من أجل الحصول على ما يرغبون، إنّه أسلوب الشدة والعنف والحدة والشجار. بعدها يصبح التخلّي عن هذا الأسلوب صعبًا.

 

يتصوّر هؤلاء الأبناء أنّهم على موعدٍ مع شجار أو مشكل كلّما أرادوا الخروج لتمضية أُمسية مع الأصدقاء أو اختيار التخصُّص أو حتى الزواج من شخص محدّد.

 

الطبيعة السلبية التي تحكم العلاقة تسيطر على الطرفين. في المقابل، لا يرى الآباء سوى وسيلة وحيدة لإيصال فكرتهم أو التعبير عن آرائهم.

 

يقول الأبناء إنّ آباءنا لا يفهمون سوى هذه الطريقة فيستعدون للمشكل الآتي. وكأنّ الأمور لا تدور إلا بين خيارين، إمّا التفاهُم بهدوء وهو مستحيل، وإمّا الحدة والشدّة وقد اعتدنا على ذلك!

 

النفوس تتعب وتزهق من المشاكل والشجارات. أحيانًا، ولأجل عدم تعقيد الأمور، يتراجع الأبناء عن اعتماد خيارات مهمة في حياتهم، وربما يتنازلون لأجل عدم خسارة المزيد.

 

ننسى أنّ هناك طريقًا آخر، وهو السعي لتحقيق ما نريد دون إثارة المشاكل. ليس المطلوب طاعة الوالدين في كل شيء بل المطلوب عدم أذيتهما. ولهذا، يمكن لنا كأبناء أن نصل إلى ما نصبو إليه دون الحاجة إلى وضعه على طاولة النقاش. من الطبيعي أن يعجز الآباء أحيانًا عن الإحاطة بالقضية التي نتعامل معها كأبناء. قد نكون نحن عاجزين أيضًا عن فهمها بشكل تام، وطرحها الآن لن يزيد الأمر إلا تعقيدًا، خصوصًا حين لا تكون قيمة المصارحة مستتبة وراسخة.

 

وباختصار، التقليل من التفاعل الحاد والتعامل السلبي أمرٌ مطلوب بذاته. كلّما قلّلنا من هذه المواقف السلبية، كنّا أقرب إلى إضفاء السلام والصفاء والمودة على هذه العلاقة الجميلة.

 

الأصل الثالث: بر الوالدين وسيلة سعادة الدارين

 

السعادة في الآخرة مرهونة بالتعامل السليم مع الوالدين، وكذلك التوفيق والنجاح في دار الدنيا إلى حدٍّ كبير.. لدينا الكثير من النصوص الدينية التي تثبت هذا الأصل. حين ننطلق من هذا الإيمان نحصل على طاقة كبيرة نحن بأمسّ الحاجة إليها للنجاح في التعامل الصحيح مع آبائنا. وحين يصبح رضا الوالدين أثمن وأهم عندنا من أي شيء آخر وربط ذلك برضا الله تعالى كما قال سبحانه: {أَنِ اشْكُرْ لي‏ وَلِوالِدَيْك}‏،[1] وهي الآية الوحيدة التي شركت الله بغيره في الشكر الذي يُعدّ روح الإيمان، حين يصبح الأمر كذلك تنتظم حياتنا وشؤونها كلّها في لائحة الأولويات. أجل، إذا كان رضا الوالدين على رأس الأمور، فسوف تتجه كل أمورنا الأخرى بالاتجاه الصحيح ولن يحصل أيّ تعارضٍ مع رضا الزوج أو أولويات العمل أو متطلبات الصداقة أو الدراسة أو أي شيء آخر. سنرى سريعًا النتائج الطيبة لهذه الأولوية على مستوى علاقتنا بالله تعالى أيضًا ولن يكون هناك سعادة أكبر من ذلك.

 

قَالَ الصَّادِقُ (ع):‏ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ‏ مِنْ حُسْنِ مَعْرِفَةِ الْعَبْدِ بِاللَّهِ تَعَالَى، إِذْ لَا عِبَادَةَ أَسْرَعُ بُلُوغًا لِصَاحِبِهَا إِلَى رِضَاءِ اللَّهِ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ‏ الْمُؤْمِنَيْنِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ حَقَّ الْوَالِدَيْنِ مُشْتَقٌّ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا كَانَا عَلَى مِنْهَاجِ الدِّينِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا يَكُونَانِ يَمْنَعَانِ الْوَلَدَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ إِلَى مَعْصِيَتِهِ وَمِنَ الْيَقِينِ إِلَى الشَّكِّ وَمِنَ الزُّهْدِ إِلَى الدُّنْيَا وَلَا يَدْعُوَانِهِ إِلَى خِلَافِ ذَلِك‏.[2]

 

سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: «إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي، فَقَالَ: لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَإِنْ حُرِّقْتَ بِالنَّارِ وَعُذِّبْتَ إِلَّا وَقَلْبُكَ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، وَوَالِدَيْكَ فَأَطِعْهُمَا وَبَرَّهُمَا حَيَّيْنِ كَانَا أَوْ مَيِّتَيْنِ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ‏ مِنْ أَهْلِكَ‏ وَمَالِكَ فَافْعَلْ، فَإِنَّ ذلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ».[3]

 

قالَ النَّبِيُّ (ص):‏ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَيُبْسَطَ فِي رِزْقِهِ‏ فَلْيَصِلْ أَبَوَيْهِ، فَإِنَّ صِلَتَهُمَا طَاعَةُ اللَّهِ وَلْيَصِلْ ذَا رَحِمِهِ وَقَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ‏ وَصِلَةُ الرَّحِمِ يُهَوِّنَانِ الْحِسَابَ.[4]

 

عَنِ النَّبِيِّ (ص) أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَطْوَلَ النَّاسِ عُمُراً فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ‏ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ وَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ.[5]

 

قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُكَ أُبَايِعُكَ‏ عَلَى الْهِجْرَةِ وَتَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ‏ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهِمَا وَأَضْحِكْهُمَا.[6]

 

عن الإمام الهادي (ع): الْعُقُوقُ‏ يُعَقِّبُ‏ الْقِلَّةَ وَ يُؤَدِّي إِلَى الذِّلَّةِ.[7]

 

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ: قُلْتُ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.[8]

 

عَنْ أَبِي وَلَّادٍ الْحَنَّاطِ قَالَ‏: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ (ع) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانا}، مَا هَذَا الْإِحْسَانُ؟ فَقَالَ: الْإِحْسَانُ أَنْ تُحْسِنَ صُحْبَتَهُمَا وَأَنْ لَا تُكَلِّفَهُمَا أَنْ يَسْأَلَاكَ شَيْئًا مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَا مُسْتَغْنِيَيْنِ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ‏}، ثُمَّ قَالَ(ع): {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ}‏ إِنْ أَضْجَرَاكَ‏، {وَلاتَنْهَرْهُما} إِنْ ضَرَبَاكَ‏، {وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيمًا} وَالْقَوْلُ الْكَرِيمُ أَنْ تَقُولَ لَهُمَا غَفَرَ اللَّهُ لَكُمَا فَذَاكَ مِنْكَ قَوْلٌ كَرِيمٌ‏؛ {وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} وَهُوَ أَنْ لَا تَمْلَأَ عَيْنَيْكَ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا، وَتَنْظُرَ إِلَيْهِمَا بِرَحْمَةٍ وَرَأْفَةٍ وَأَنْ لَا تَرْفَعَ صَوْتَكَ فَوْقَ أَصْوَاتِهِمَا وَلَا يَدَكَ فَوْقَ أَيْدِيهِمَا وَلَا تَتَقَدَّمَ قُدَّامَهُمَا.[9]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]. سورة لقمان، الآية 14.

[2]. مصباح الشريعة، ص70.

[3]. الكافي، ج3، ص405.

[4]. الدعوات، ص126.

[5]. مستدرك الوسائل، ج15، ص175.

[6].  مستدرك الوسائل، ج15، ص176.

[7]. مستدرك الوسائل، ج15، ص195.

[8]. الكافي، ج2، ص158.

[9]. من لا يحضره الفقيه، ج4، ص408.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد