الشيخ جعفر السبحاني
لا ريب أنّ ذلك من الإشكالات المطروحة في هذا المجال والتي تتعلّق بخلود الكافرين في النار، وأنّه لابدّ من الموازنة بين المعصية والجزاء، وهذه القضية من القضايا التي لفتت انتباه العقلاء دائماً وخاصة رجال القانون الجزائي.
ولكن يمكن الإجابة عن الإشكال المذكور بصور مختلفة، وهي:
1. انّ هذا الإشكال يرد لو كان الجزاء أمراً جعلياً، فلا ريب أنّ قوانين العقلاء ورجال القانون ترى أنّه لابدّ من الموازنة بين الجرم وجزائه، فللسرقة جزاء يناسبها، وللشتم جزاء يناسبه، وللقتل جزاء يناسبه، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون الجزاء خارجاً عن تلك الموازنة، فدائماً توجد موازنة بين الجرم والجزاء.
ومن هنا نرى أنّ بعض المقننين يرون أنّ بعض تلك العقوبات متناسبة مع حجم الجرم وبعضها الآخر غير متناسب وتوجد بينهما فاصلة كبيرة. وأمّا إذا ذهبنا إلى أنّ الجزاء ليس أمراً اعتبارياً جعلياً وإنّما هو أمر تكويني ملازم لوجود الجرم بمعنى انّه توجد رابطة تكوينية بين الجرم وجزائه، وأنّ الجزاء تجسيم للذنب المقترف أو الجرم المرتكب، فحينئذ تنتفي الموازنة المذكورة، إذ يمكن أن يورث العمل في نفس المجرم هيئة لا تفارقه أبداً، فتكون الظلمة الناشئة من الشرك باللّه والتمرّد على أوامره حالة ثابتة تلازم الإنسان دائماً وتنسجم بصورة عينية في العالم الأُخروي، وحينئذ تتّصف بصفة الديمومة والخلود والعذاب الدائم.
2. إنّنا لا نسلّم أنّ العلاقة بين الخطأ والجزاء علاقة جعلية وعقدية وقابلة للزيادة والنقصان، بل إنّنا نرى وفي الحياة الدنيا قد تكون نتيجة الخطأ لا تنسجم ولا تتوازن مع الخطأ المرتكب، فنجد أنّ الخطأ يقع في لحظة واحدة ولكن عقابه دائم، فعلى سبيل المثال لو أقدم إنسان ما على الانتحار ـ لأي سبب كان ـ فقد ارتكب جرماً آنياً، ولكنّه في نفس الوقت خلّف جزاءً غير متناه وهو فقد الحياة إلى الأبد، أو أنّ هذا الإنسان أقدم على إذهاب بصره من خلال اقتراف عمل لا يتجاوز عدّة ثوان، إلاّ أنّ هذا العمل السريع جداً يستتبع نتيجة دائمة وهي فقد البصر مدى الحياة.
وبالطبع إنّ ذلك ليس قاعدة دائمة في جميع الأفعال، إذ بعض الأفعال يكون جزاۆها مؤقتاً جداً ولا يتجاوز الدقائق المحدودة.
فمثلاً من يتذوّق الطعام المرّ فإنّه يشعر بالألم والمرارة نتيجة ذلك العمل به، ولكنّه في الواقع شعور مؤقت يزول بعد دقائق.
من هنا نعلم أنّ العلاقة بين الجزاء والعمل تكون على نحوين:
1. علاقة توليدية أبدية.
2. علاقة توليدية مؤقتة.
ومن هنا يبحث عن العلاقة بين الجرم والعذاب الأُخروي حيث نقول: إنّ الكفر والشرك هو من قبيل الذنوب التي تكون نتيجتها دائمة وإن كان الجرم مؤقتاً، وذلك لأنّ نفس هذا العمل هو المولد والموجد للنتيجة، وليست النتيجة ناشئة من الاعتبار والجعل والتقنين، ولقد أشارت الآيات والروايات إلى هذه الحقيقة حيث اعتبرت الدنيا مزرعة للآخرة، فقد ورد عن الرسول الأكرم أنّه قال: «الدُّنْيا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ» .وورد هذا المعنى عن علي(عليه السلام) إذ قال:«الْعَمَلُ الصّالِحُ حَرْثُ الاخِرَةِ».( [1]) كذلك ورد هذا المعنى في القرآن الكريم حيث قال سبحانه: ( مَنْ كانَ يُريدُ حَرْثَ الاخِرَةِ نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ ... ) .( [2])
3. هناك قاعدة منطقية وفلسفية معروفة تقول:
«ذاتي الشيء لا يختلف ولا يتخلف» بمعنى أنّه لا يمكن إزالته من مكانه بصورة كلّية، وحينئذ فإنّ الإنسان كما أنّه خلق مقترناً بسلسلة من الصفات والخواص الذاتية التي لا تنفك عنه أبداً، فمن الممكن أن يكون الكفر والشرك الدائم ـ وخاصة العمدي منه ـ كالخصلة والسجيّة الثانوية والدائمة للإنسان بحيث تصبح من ذاتياته بنحو «لا يختلف ولا يتخلّف» وبالنتيجة تكون سبباً للعذاب الدائم( [3]).( [4])
المصادر:
[1] . نهج البلاغة: الخطبة23، طبع صبحي الصالح.
[2] . الشورى: 20.
[3] . يقول الحكيم السبزواري في حاشيته على الأسفار: وما يقول المصنّف إنّ القسر لا يدوم وإنّ الطوارئ والعوارض تزول، فجوابه: إنّه ليس قسراً ولا عروضاً، بل تصير الكيفية الظلمانية، جوهرية والعرضية السيّئة ذاتية، فإنّ الفطرة الإنسانية ذاتية لا تزول والفطرة الثانية أيضاً ذاتية، إذا صارت ملكة جوهرية، إذ العادة طبيعة ثانوية.(الأسفار:9/347).
[4] . منشور جاويد:9/403ـ 405.
الشيخ محمد مهدي الآصفي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
حيدر حب الله
الشيخ باقر القرشي
إيمان شمس الدين
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ حسين الخشن
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
الذّكر والتّقوى، أمان وقوّة
حين تضيع القيَم!
تفسير سورة الفاتحة
حقيقة بكاء السماء والأرض في القرآن الكريم
كتاب جديد بعنوان: أوضح البيان في حقيقة الأذان
أحلام المشهدي تشارك في معرض ثلاثيّ في الأردن
الإمام الرضا عليه السلام: 19 عاماً من الجهاد
من بحوث الإمام الرّضا (ع) العقائديّة (3)
الشّيخ صالح آل إبراهيم: كيف تنقذ زواجك من الانهيار؟
التسارع والتباطؤ وإنتاج المعارف (4)