ههنا باعث ومحرّك «1» وراء الغريزة إلى السعي في تحقيق الأشياء بالبحث عن وجودها وعللها وهي حاجة العلوم الطبيعية والرياضية وما ضاهاها، إلى العلم بأنّ لموضوعاتها وجوداً وتحقّقاً خارجياً، قبل البحث عن العوارض التي تعرض تلك الموضوعات، ولا يتأتّى للباحث إثبات الوجود لتلك الموضوعات إلّا في فن آخر غير تلك العلوم.
توضيحه: أنّ العلوم المادّية التي يعدّها الإنسان دعائم حياته إنّما تبحث عن عوارض وأحكام تعرض لموضوعات خاصة، فالطبيعي مثلًا يبحث عن أحكام الجسم الطبيعي، والرياضي يبحث عن أحكام المقدار وقس على ذلك سائر العلوم.
والذي يهم الباحث في أبحاثه واتجاهاته العلمية في هذه العلوم هو الحكم ببركة البرهان أو التجربة بأنّ هذه الموضوعات تعرضها هذه الأحكام وأنّها تتصف بهذه المحمولات أم لا، وأمّا أنّ هذه الموضوعات التي تعرضها تلك الأحكام، وتحمل عليها هذه المحمولات، هل لها وجود حقيقي أو هي أمور فرضية وهمية؟ فلا تتمكّن هذه العلوم من حلّ تلك العقدة، بل هو خارج عن نطاقها ولابدّ أن يلتمس من فن آخر.
والعالم الطبيعي يبحث عن خواص الأجسام التي فرض وجودها أو قام الدليل على وجودها وتحقّقها في فن آخر، ومثله الرياضي يبحث عن أحكام المقدار المفروض الوجود، أو الثابت وجوده في فن غيره، والموضع المعدّ للبرهنة على أنّ هذه الموضوعات من الحقائق الخارجية، وأنّ الجسم الطبيعي موجود، والمقدار المتصل والمنفصل أمر حقيقي واقعي، هي الفلسفة التي نحن بصدد تعريفها وتوصيفها.
فتبيّن: أنّ هنا عاملين يدعو كل واحد بحياله إلى الغور والتحقيق عن وجود الأشياء وعدمها، والبحث عن عللها ومرتبة وجودها.
أحدهما: الغريزة الإنسانية التي تجرّه إلى الاستعلام عن حقائق الأشياء وكيفية وجودها وما لها من علل ومبادئ، وأنّها في أي رتبة من الوجود.
ثانيهما: توقّف الاستنتاج من العلوم الدارجة على العلم بوجود موضوعاتها، والفن الذي يُرضي صاحب تلك الغريزة ويسدّ هذا الفراغ هو الفلسفة التي تبحث عن تحقّق الأشياء وتبرهن على وجودها وتعيّن مرتبتها من الوجود، على طريق خاص من غير أن تختصّ أبحاثها بشيء دون شيء، أو بموضوع دون موضوع.
الفرق بين العلوم والفلسفة
هذا البيان يوقف الباحث على المائز بين الفلسفة والعلوم، ويميّز البحث العلمي عن الفلسفي، إذ لو كان الغرض من البحث العلم بوجود الشيء، وأنّه هل هو متحقّق أو لا، وأنّه في أي مرتبة من الوجود أهو مادّي أو مجرّد؟ جوهر أو عرض وهكذا... أو العلم بعلله ومبادئه، كان البحث فلسفياً، ولو كان الغرض من البحث، العلم بعوارض الشيء التي عرضت عليه بعد فرض وجوده، كان البحث علمياً غير فلسفي.
ولذلك قال الفلاسفة: إنّ للفلسفة الرئاسة التامّة على عامّة العلوم، لأنّ البحث عن خواص الشيء جزماً والاستنتاج منه على وجه القطع والبت فرع الوقوف على أنّ له وجوداً وتحقّقاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). مختصر القول: إنّ الإنسان يحتاج إلى البحث عن الفلسفة لأمرين: (الأوّل): إثارة الغريزة العلمية فكرة الإنسان إلى معرفة الحقائق وتمييز ما لا واقعية له عمّا له واقعية، ولا يحصل ذلك إلّا بالأُصول الفلسفية. (الثاني): توقّف البحث عن عوارض الشيء على ثبوت نفس الشيء، فإنّ العلوم تبحث عن عوارض موضوع على فرض ثبوت وجوده، والمتكفّل لإثبات وجود الموضوع الذي فرض وجوده عند البحث عن عوارضه إنّما هو الفلسفة، وعلى هذا فالعلوم كلّها محتاجة إليها في إثبات وجود موضوعاتها.
د. سيد جاسم العلوي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد محمد حسين الطهراني
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حبيب المعاتيق
عبدالله طاهر المعيبد
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
زهراء الشوكان
نظريّة المعرفة عند كارل بوبر (1)
سورة الناس
إسلام الراهب بُرَيْهَة على يد الإمام الكاظم (ع)
النسخ في القرآن إطلالة على آية التبديل (وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ) (3)
هل نحتاج أن نقرأ لنتعلّم أم يكفي الاستماع؟ ماذا يقول علم الأعصاب؟
اختتام النّسخة العاشرة من حملة التّبرّع بالدّم (دمك حياة)
الإمام الكاظم (ع) في مواجهة الحكّام العبّاسيّين
السّيّدة رقيّة: اليتيمة الشّهيدة
وما تُغْنِي الآياتُ والنُّذُرُ
إيثار رضا الله