يبدو أن الإجابة عن هذا الموضوع تحتاج للبحث في أصل المعرفة وإمكانها. فقد ورد في مباحث الحكمة أن معرفة أيّ شيء تكون بأحد وجهين: إما بذاته، وإما بغيره.
وأن معرفة الشيء بذاته، أيضًا على قسمين، أحدهما يعرف بجنسه وفصله وهي معرفة ذهنية، وثانيهما معرفته بأصل وجوده المصداقي الخارجي الذي إمّا أن ندركه بالحواس الظاهرة والباطنية، وإما بالمعرفة المباشرة هي الحضورية.
أما معرفة الشيء بغيره فهي أيضًا على قسمين: لأنها إما معرفة الشيء بعلته، وإما معرفته بمعلولاته.
ويعتقد أهل الحكمة أن جميع هذه الوجوه قد تسمح لنا بمعرفة أصل وجود الشيء، ولكنها لا تصل لمعرفته بكنه الشيء وحقيقته. وهذا النحو من المعرفة، أي بالكنه، هي المستحيلة على إدراك العقل. حتّى أنّ الفلسفة الحديثة اجترحت نحوًا من المعرفة، بحسب ما يتمثّل لنا من ظاهر حقيقة الشيء، ونفت الإمكان لمعرفته بذاته.
عليه فلا خصوصية لموضوع الله في المعرفة، هنا. إذ الامتناع يصدق على كل كنه، وكل شيء. لكن الكلام في معرفته سبحانه يزيد بأمر مفاده أن الله سبحانه بما هو مطلق ولا متناهي، كل كلام حول معرفته بالذات، هو كلام حول الإحاطة به، والإحاطة بالله تعني محدوديته، وهو خلاف كونه مطلقًا. بل هو يستلزم محالًا، إذ يفترض أن المحدود يحيط باللامحدود، وكل ما يستلزم المحال فهو محال.
إلا أن هذا لا يمنع أصل المعرفة، بل هو يفترض أمورًا ثلاثة:
أولًا: أنّ العقل هو الأداة والطريق لمعرفة أصل وجود الله والواقع، ثم إنّ العقل يتكامل في مسار المعرفة مع بقية الكينونة الإنسانية من مثثل الوجدان، والروح للتعرف إلى مدارج معرفية جديدة تكفل تكامل الإنسان.
ثانيًا: إنّ هذا النحو من المعرفة يضعنا أمام مبحث الأخلاقيات المعرفية. إذ كل افتراض بإحاطة الحقائق، وهو غير مقاربتها والعلم بها، ينتج عنه حكمًا انتشارًا للـ”أنا” المستعلية وإقصاء للآخر كل آخر. وهو ما يحجب النفس عن التواضع أمام الحقائق وسبل التعرف عليها، في الوقت الذي يمثّل مثل هذا التواضع المعرفي السبيل النفسي والروحي لإدراك الحقائق وتمثلها في الوعي المعرفي والسلوكي.
ثالثًا: إن اقتصار العقل على درك كليات الأشياء ومعانيها البرزخية بين الحواس والمجردات، يدفعنا لتحري المعرفة عبر سبل أخرى، منها ما يرتبط بالمعرفة الحسية والمراقبة المخبرية التي أدخلتنا وما زالت إلى ما لم يستطع العقل البرهاني الحكم عليه مما أنتج علومًا ضجت بها دنيانا…
وهو عينه ما يصح في حق المعارف والعلوم التي يُطلق عليها اسم السمعيات، فيما تتضمنه النصوص الوحيانية والملهمة. سواءً في الحقائق الكامنة خلف ما هو مرئي ومسموع، أو فيما يتعلق بما بعد هذه المرحلة من حياة تضج بالروح. بل قد يأخذنا لنحو من المعرفة الخاصة وهي التي يتهيأ فيها العارف لنبش واستنطاق ما تسره الروح من أسرار وخفايا حقائق أعجزت البيان عن تفصيلها فلم يصلنا منها إلا الإشارة والرمز والمفاهيم التي ما زالت إلى الآن رغم قدمها موردًا لتحديات العقل البرهاني والعقل الاستكشافي.
وبهذا نختم القول إن كان العقل عاجزًا عن معرفة كنه الحقيقة، فالحقيقة تكمن فيما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام “أعرف الله بالله…“.
د. سيد جاسم العلوي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد محمد حسين الطهراني
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حبيب المعاتيق
عبدالله طاهر المعيبد
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
زهراء الشوكان
(المشكلة الاجتماعيّة، دراسة إبستيمولوجية) جديد الدكتور حسن العبندي
المجتبى: نعش على قارعة السّهام
نظريّة المعرفة عند كارل بوبر (1)
سورة الناس
إسلام الراهب بُرَيْهَة على يد الإمام الكاظم (ع)
النسخ في القرآن إطلالة على آية التبديل (وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ) (3)
هل نحتاج أن نقرأ لنتعلّم أم يكفي الاستماع؟ ماذا يقول علم الأعصاب؟
اختتام النّسخة العاشرة من حملة التّبرّع بالدّم (دمك حياة)
الإمام الكاظم (ع) في مواجهة الحكّام العبّاسيّين
السّيّدة رقيّة: اليتيمة الشّهيدة