مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عادل العلوي
عن الكاتب :
السيد عادل العلوي، عالم فاضل وخطيب وشاعر، ولد في السادس من شهر رمضان 1375ﻫ في الكاظمية المقدّسة بالعراق. درس أوّلاً في مسقط رأسه، قبل أن يسافر مع أفراد عائلته إلى قمّ المقدّسة عام 1391ﻫـ ويستقرّ فيها مكبًّا على الدّرس والتّدريس والتأليف، له كثير من المؤلّفات منها: دروس اليقين في معرفة أصول الدين، التقية بين الأعلام، التوبة والتائبون على ضوء القرآن والسنّة، تربية الأُسرة على ضوء القرآن والعترة، عقائد المؤمنين، وغير ذلك. تُوفّي في السابع والعشرين من ذي الحجّة 1442ﻫ في قمّ المقدّسة، ودفن في صحن حرم السيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام).

لوازم الأنس الإلهي (4)

الولاية

 

المستأنس بالله إنّما الله سبحانه يتولّى أمره، ويدبّر حياته ومعيشته، فإن (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) (1)، يتولاّهم في الدنيا والآخرة، ولكنّ الذين كفروا من الناس فإنّ أوليائهم ومدبّر أمورهم الطواغيت، وعبّاد الشيطان وأوليائه، الذين يوحي إليهم الشيطان المكر والخديعة والظلم والجور والفسق والفجور.

 

فمن أنس بالله عزّ وجلّ، فإن الله يتولّى أمره، كما أنّه هو كذلك يوالي ربّه ويحبّه، ويعادي عدوّه، ولو كان من أقربائه، فيتبرّأ من الناس الذين يعادون الله في أفكارهم وعقائدهم وسلوكهم وأعمالهم، فمن أنس بالله ووصل إلى مقام الولاية، كيف لا يستوحش من الناس؟ قال الله تعالى: (إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (2). (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (3). (ألا إنّ أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتّقون) (4). (إنْ أولياؤه إلاّ المتّقون) (5).

 

قال الحواريون: يا عيسى مَن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ قال عيسى (عليه السلام): الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، والذين نظروا إلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، وأماتوا منها ما يخشون أن يميتهم، وتركوا ما علموا أنّه سيتركهم، فصار استكثارهم منها استقلالًا، وذكرهم إيّاها فواتاً، وفرحهم بما أصابوا منها حزناً.. يحبّون الله تعالى ويستضيئون بنوره، ويضيئون به، لهم خبر عجيب، وعندهم الخبر العجيب، بهم تمام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب، وبه نطقوا، وبهم علم الكتاب وبه علموا ، ليسوا يرون نائلاً مع ما نالوا، ولا أماني دون ما يرجون، ولا خوفاً دون ما يحذرون.

 

سئل النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن قول الله تعالى: (ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (6)، قال: الذين يتحابّون في الله. سُئِلَ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عن الآية الشريفة فقال: هم قوم أخلصوا لله تعالى في عبادته، ونظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، فعرفوا آجلها حين غرّ الناس سواهم بعاجلها، فتركوا منها ما علموا أنّه سيتركهم، وأماتوا منها ما علموا أنّه سيميتهم. إنّ أوليـاء الله تعالى كلّ مستقرب أجله، مكذّب أمله، كثير عمله، قليل زله. إنّ أولياء الله لأكثر الناس ذكراً وأدومهم له شكراً، وأعظمهم على بلائه صبراً.

 

إنّ أولياء الله لم يزالوا مستضعفين قليلين منذ خلق الله آدم (عليه السلام). إنّ أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكراً، ونظروا فكان نظرهم عبرة، ونطقوا فكان نطقهم حكمة، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة، لولا الآجال التي قد كتبت عليهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم خوفاً من العذاب  وشوقاً إلى الثواب.

 

إنّ الله تعالى أخفى وليّه في عباده، فلا تستصغرّن عبداً من عبيد الله، فربّما يكون وليّه وأنت لا تعلم. إذا استحقّت ولاية الله والسعادة جاء الأجل بين العينين، وذهب الأمل وراء الظهر، وإذا استحقت ولاية الشيطان والشقاوة جاء الأمل بين العينين، وذهب الأجل وراء الظهر. إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، فتحه الله لخاصّة أوليائه. والدنيا مهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنّة. ثلاث خصال من صفة أولياء الله: الثقة بالله في كلّ شيء، والغناء به عن كلّ شيء، والافتقار إليه في كلّ شيء.

 

في الدعاء: اللّهم إنّك آنس الآنسين لأوليائك، وأحضرهم بالكفاية للمتوكلّين عليك، تشاهدهم في سرائرهم، وتطّلع عليهم في ضمائرهم، وتعلم مبلغ بصائرهم، فأسرارهم لك مكشوفة، وقلوبهم إليك ملهوفة، إن أوحشتهم الغربة آنسهم ذكرك، وإن صبّت عليهم المصائب لجأوا إلى الاستجارة بك، علماً بأنّ أزمّة الأمور بيدك، ومصادرها عن قضائك... فيا ترى مَن كان هذا حاله أما يستوحش من الناس؟ أما يعتزل الناس روحاً ويبقى معهم جسداً لهدايتهم وإرشادهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ولاحتياج بعض الناس إلى بعض في معاشهم وحياتهم اليوميّة.

 

التشابه

 

ورد في الخبر الشريف: عبدي أطعني أجعلك مَثلي ـ بفتح الميم ـ أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون. فمن وصل إلى مقام الأنس بالله بالطاعة والعبادة والإخلاص، وحاز شرف الحضور والمشاهدة ولذّة المناجاة. كيف لا تتجلّى فيه أسماء الله وصفاته، ويكون مظهراً لقدرة الله وعلمه وكمالاته، وينصبغ بصبغة الله سبحانه وتعالى، فيكون سبحانه سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، اتّقِ من فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله.

 

العصمة

 

حريّ بمحبّ الله أن يعتصم من الذنوب، إذ كيف من يدّعي حبّ الله والأنس به يعصيه سبحانه، فعجباً لمن ينتحل حبّ الله كيف يعصي الله، بل من وصل إلى مقام الأنس بالله، فإنّه يعصم نفسه عن الذنوب ويصل إلى مقام العصمة الأفعالية، إذ العصمة الذاتية الكلّية مختصّة بالأنبياء والأوصياء الأئمة الأطهار (عليهم السلام).

 

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله سبحانه: إذا علمت أنّ الغالب على عبدي الاشتغال بي نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي، فإذا كان عبدي كذلك فأراد أن يسهو حلتُ بينه وبين أن يسهو ـ وهذا معنى العصمة ـ أولئك أوليائي حقّاً، أولئك الأبطال حقّاً. يقول الله عزّ وجلّ: إذا كان الغالب على العبد الاشتغال بي جعلت بغيته ولذّته في ذكري، فإذا جعلت بغيته ولذّته في ذكري عشقني وعشقته، فإذا عشقني وعشقته رفعت الحجاب فيما بيني وبينه، وصيّرت ذلك تغالباً عليه، لا يسهو إذا سها الناس، أولئك كلامهم كلام الأنبياء، أولئك الأبطال حقّاً.

 

عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): من ألهم العصمة أمِنَ الزلل، كيف يصبر عن الشهوة من لم تعنه العصمة، الناس مع الملوك والدنيا إلاّ من عصم الله. فالمستأنس بالله كيف لا يستوحش من هؤلاء الناس؟ (ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم) (7).

 

ومن هدي إلى الصراط المستقيم، فقد أنعم الله عليه، ومن أنعم عليه فهو مع النبيّين والصالحين والشهداء في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وحسن أولئك رفيقاً.

 

أمّا موجبات العصمة كما في الروايات فمنها: الاعتبار والتصبّر على المكروه، وعن علي (عليه السلام): إنّ التقوى عصمة لك في حياتك وزلفى لك بعد مماتك، وبالتقوى قرنت العصمة، والحكمة عصمة، والعصمة نعمة. فعصم السعداء بالإيمان، وخذل الأشقياء بالعصيان، من بعد اتّجاه الحجّة عليهم بالبيان.

 

وعن الإمام الباقر (عليه السلام): إذا علم الله تعالى حُسن نيّة من أحد اكتنفه بالعصمة. قال نوف البكالي: رأيت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) مُوليّاً مبادراً فقلت: أين تريد يا مولاي؟ فقال: دعني يا نوف إنّ آمالي تقدّمني في المحبوب. فقلت: يا مولاي وما آمالك؟ قال: قد علمها المأمول واستغنيت عن تبيينها لغيره، وكفى بالعبد أدباً، أن لا يشرك في نعمه وأربه غير ربّه. فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّي خائف على نفسي من الشره، والتطلّع إلى طمع من أطماع الدنيا، فقال لي: وأين أنت عن عصمة الخائفين، وكهف العارفين؟ فقلت: دُلّني عليه، قال: الله العليّ العظيم، تصل أملك بحسن تفضّله، وتقبل عليه بهمّك، وأعرض عن النازلة في قلبك، فإن أجّلك بها فأنا الضامن من موردها، وانقطع إلى الله سبحانه فإنّه يقول: وعزّتي وجلالي لأقطعنَّ أمل كلّ من يؤمّل غيري باليأس، ولأكسونّه ثوب المذلّة في الناس، ولأبعدنّه من قربي، ولأقطعنّه عن وصلي...

 

في المناجاة: إلهي في هذه الدنيا هموم وأحزان وغموم وبلاء، وفي الآخرة حساب وعقاب، فأين الراحة والفرج؟ إلهي خلقتني بغير أمري، وتميتني بغير أذني، ووكلت فيّ عدوّاً لي له عليَّ سلطان، يسلك بي البلايا مغروراً، وقلت لي استمسك، فكيف أستمسك إن لم تمسكني.

 

إلهي لا حول لي ولا قوّة إلاّ بقدرتك، ولا نجاة لي من مكاره الدنيا إلاّ بعصمتك، فأسألك ببلاغة حكمتك ونفاذ مشيئتك أن لا تجعلني لغير جودك متعرّضاً.

 

في مناجاة المعتصمين: إلهي أسكنتنا داراً حفرت لنا حُفر مكرها، بك نعتصم من الاغترار بزخارف زينتها... إلهي فزهدنا فيها وسلّمنا منها بتوفيقك وعصمتك... وطهّرني بالتوبة وأيّدني بالعصمة، واستصلحني بالعافية.

 

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): بالتقوى قرنت العصمة. وهذا يعني أنّ العصمة لازمها التقوى أو بالعكس، فالمتّقي يكون معصوماً، والمستأنس بالله كيف لا يكون متّقياً متورّعاً عن كلّ ما فيه غير الله، وكيف لا يتّقي الناس ويستوحش منهم، وإنّما يطلب الأتقياء في أطراف الأرض ـ كما ورد في الخبر الشريف ـ وهو مع الناس جسداً، ومع الله روحاً وقلباً، ناجاه الله في سرّه وعقله، فإنّه أقرب إليه من حبل الوريد، فيشاهده بقلبه وبصيرته، ويستأنس بذكره وجماله. وجماع التقوى في قوله تعالى: (إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان) (8).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البقرة : 257 .

(2) المائدة : 55 .

(3) النساء : 95 .

(4) يونس : 62 و 63 .

(5) الأنفال : 34 .

(6) يونس : 62 .

(7) آل عمران : 101 .

(8) النحل : 90 .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد