إنّ الإسلامَ مضافاً إلى كونه منهجَ اعتقاد وإيمان، هو منهج حياة إنسانيّة واجتماعيّة واقعيّة أيضاً، يتجسّد فيها الاعتقاد والإيمان ممارسةً عمليّة في جوانب الحياة جميعها ومتطلّباتها الفرديّة والاجتماعيّة، على مبدأ التضامن والتراحم والتكافل والتناصح والمودّة والإحسان والتضحية والإيثار؛ قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ﴾[1]، ما يُلزم الأفراد بالكثير مِن الواجبات تجاه بَعضهم كأفراد، وتجاه المجتمع ككيان اجتماعيّ يحتضن الجميع. وأكثر ما يتجلّى ذلك في الأزمات التي تُواجه الناس.
الأزمات التي تواجه المجتمع
تنقسم الأزمات والمشاكل التي تواجه الأفراد والمجتمع البشريّ إلى قسمَيْن: ما ينعكس على المجتمع ككلّ، وما يتأثّر به شرائح أو أفراد. ويحتاج الناس في مواجهتها إلى من يُقدّم لهم يد العَون والمساعدة المعنويّة والمادّيّة، ويُساهم في بلسمة جراحاتهم، ويخفّف آلامهم، ما يُعيد الطمأنينة والهدوء والاستقرار إلى حياتهم، من هذه الأزمات:
1. أزمات اقتصاديّة تنتج عن ضعف حركة العمل، ما يؤدّي إلى تدنّي مستوى المعيشة وكثرة حالات الفقر.
2. أزمات أمنيّة وعسكريّة يُبتلى بها الناس جرّاء الاعتداءات على الأنفس والأموال والممتلكات والأعراض.
3. أزمات اجتماعيّة تحصل نتيجة أمراض فتّاكة وخطيرة تنعكس بآثارها على كيان المجتمع وأفراده، كالسرقة وتعاطي المخدّرات والقتل وشيوع الفاحشة والزنا...
4. أزمات طبيعيّة (تكوينيّة) ناتجة عن الكوارث الطبيعيّة التي تنعكس سلباً على حياة الناس، فيفقدون أعزّاءَهم وممتلكاتهم وتتضرّر حياتهم.
منهج الإسلام في مواجهة الأزمات
يُعدُّ تضامن الناس مع بعضهم العنصر الأهمّ بين المعالجات كلّها، كونه يستند إلى الرابط الإنسانيّ الأهمّ بين بني البشر في عمليّة التضامن. وقد وَضع الإسلام منهجاً متكاملاً للتضامن بين الناس في الأزمات كلّها التي يمكن أن يُبتلوا بها، ويمكن إيجازه في أمورٍ ثلاثة:
1. قضاء الحوائج: لقد وَضَع الإسلام منهجاً متكاملاً في العلاقات بين البشر يقوم على أساس مراعاة حقوق أفراد المجتمع وبثّ روح التعاون والخدمة المتبادلة بينهم، وقد حثّ النبيُّ محمّد (صلى الله عليه وآله) كلَّ مُسلمٍ لِيَكون مسؤولاً في بيئته الاجتماعيّة، عن طريق الاهتمام بأمور المسلمين ومشاركتهم آمالهم وآلامهم؛ عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَن أصبح لا يهتمّ بِأُمور المسلمين فَلَيس بِمُسلِم»[2]، وعنه (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام): «سُئِل رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيّ الأعمال أحبّ إلى الله، قال (صلى الله عليه وآله): «اتّباع سرور المسلم»، قيل: يا رسول الله، وما اتّباع سرور المسلم؟ قال (صلى الله عليه وآله): «شبعة جوعه، وتنفيس كربته، وقضاء دَيْنه»[3]. وَقد ورد في العديد من الروايات أنّ خدمة المؤمنين بعضهم وتعاونهم وترابطهم المادّيّ والمعنويّ أفضل مِن بعض العبادات المستحبّة؛ عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لَقَضاء حاجة امرئ مؤمن أفضل مِن حجّة وحجّة وحجّة» حتّى عَدَّ عشر حجج[4].
2. التكافل الاجتماعيّ: هو جزء من عقيدة المسلم والتزامه الدينيّ، وهو نظام أخلاقيّ يقوم على الحبّ والإيثار ويَقَظة الضمير ومراقبة الله عزَّ وَجلّ، ولا يقتصر على حفظ حقوق الإنسان المادّيّة، بل يشمل المعنويّة أيضاً. وغايته التوفيق بين مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد؛ عن الإمام الصادق (عليه السلام): «والله، لا يكون المؤمن مؤمناً أبداً حتّى يكون لأخيه مثل الجسد؛ إذا ضرب عليه عرق واحد تداعت له سائر عروقه»[5]. وقد عُني القرآن بالتكافل ليكون نظاماً لتربية روح الفرد وضميره وشخصيّته وسلوكه الاجتماعيّ، وَنظاماً لتكوين الأُسرة وتنظيمها وتكافلها، ونظاماً للعلاقات الاجتماعيّة. من هنا، فإنّ مدلولات البرّ والإحسان والصدقة تتضاءل أمام هذا المدلول الشامل للتكافل؛ قال الله تعالى: ﴿يَسَۡٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡر فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡر فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيم﴾[6].
وَقَد نفى الرسول (صلى الله عليه وآله) كمال الإيمان عن مَن يَبيت شبعان وجاره جائع وهو يعلم: «ما آمن بي مَن بات شبعان وجاره جائع»[7]. وَوَضع القرآن أُسساً نفسيّةً وأخرى مادّيّة، لإقامة التكافل الاقتصاديّ والاجتماعيّ بين أفراد المجتمع الإسلاميّ. ولعلَّ مِن أهمِّ الأسس النفسيّة إقامة العلاقات المادّيّة والمعنويّة على أساس الأُخوّة، لِقَوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَة﴾[8]. ومِن الأُسس النفسيّة -أيضاً- الإيثار، وهو تفضيل الآخر على النفس، مِن أجل إشاعة العفو والرحمة. لذا، جعل الإسلام كلَّ مُسلِم مسؤولاً في بيئته الاجتماعيّة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته»[9].
3. نُصرة المظلوم: إنّ انتماء المسلم للجماعة يترتّب عليه حقوق وواجبات، مِن أعظمها واجب التناصر بين المسلمين؛ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يقول الله عزّ وَجلّ: وعِزَّتي وجلالي، لأنتقمَنَّ مِن الظالم في عاجله وآجله، ولَأنتقمَنَّ ممّن رأى مظلوماً فَقَدر أن ينصره فَلَم ينصره»[10]، وَأوصى الإمام عليّ (عليه السلام) ولدَيْه الحسن والحسين (عليهما السلام) بقوله: «وَكُونَا لِلظالِمِ خَصْماً وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً»[11]. وللتناصر أهمّيّة عظمى في حياة الأمّة، فَمِن دونه يصبح المجتمع الإسلاميّ مكشوفاً أمام أعدائه، مُعَرَّضاً للهزيمة، بينما لو التزم أبناء المجتمع نَصْرَ الله مِن ناحية، ونُصرة بعضهم بعضاً من ناحية أخرى، لَفازوا بكلّ خير، وظهروا على عدوّهم، تحقيقاً لِوَعد الله عزَّ وجلّ: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾[12]. لذا، عُدَّت النُصرة مِن واجبات كلِّ مُسلِم تجاه كلّ مُسلِم. وكان النبيّ (صلى الله عليه وآله) يشحذ همم المسلمين ويحثّهم على نصرة المظلوم، مُبيّناً أنّ الجزاء سيكون مِن جِنس العمل: «ما مِن امرئٍ يخذل امرأً مُسلِماً عند موطن تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه عرضه إلّا خذله الله عزَّ وَجلَّ في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من امرئٍ ينصر امرأً مُسلماً في موطن ينتقص فيه مِن عرضه وينتهك فيه مِن حُرمته إلّا نَصره الله في موطن يحبّ فيه نصرته»[13].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ - مركز المعارف للتأليف والتحقيق)
[1] سورة المائدة، الآية 2.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص163.
[3] الحميريّ القمّيّ، قرب الإسناد، مصدر سابق، ص145.
[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص582.
[5] الكوفيّ الأهوازيّ، حسين بن سعيد، المؤمن، مؤسّسة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، إيران - قمّ، 1404هـ.، لا.ط، ص39.
[6] سورة البقرة، الآية 215.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 668.
[8] سورة الحجرات، الآية 10.
[9] الشعيريّ، جامع الأخبار، مصدر سابق، ص119.
[10] ابن عساكر، أبو القاسم عليّ بن الحسن الشافعيّ، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق عليّ شيريّ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1415هـ، لا.ط، ج54، ص7.
[11] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص421، الكتاب 47.
[12] سورة الحـجّ، الآية 40.
[13] أحمد بن حنبل، المسند (مسند أحمد)، دار صادر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج4، ص30.
السيد عادل العلوي
الشيخ محمد صنقور
الشيخ فوزي آل سيف
السيد علي عباس الموسوي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
د. سيد جاسم العلوي
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ شفيق جرادي
عدنان الحاجي
عبدالله طاهر المعيبد
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حبيب المعاتيق
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
زهراء الشوكان
بشارة الأربعين.. من أحب عمل الحسين (ع) أشرك معه
مستند زيارة الأربعين
وتعاونوا
مقتل البلاذري في أنساب الأشراف
الإمام المهديّ (عج) والملحمة الأخيرة
تكريمًا للمادح، منتج تقنيّ قرآنيّ ذكيّ للمنازل
(فلاشات صحيّة للحياة الزّوجيّة) محاضرة لآل عبّاس في برّ سنابس
أصول التّعامل النّاجح مع الوالدين
﴿وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ﴾
طريق حسيني