ورد عن الإمام الصادق (ع): "ثَلَاثَةٌ تَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ: مُكَافَأَةُ الْمُحْسِنِ بِالْإِحْسَانِ لِيَزْدَادُوا رَغْبَةً فِيهِ، وَتَغَمُّدُ ذُنُوبِ الْمُسِيءِ لِيَتُوبَ وَيَرْجِعَ عَنْ غَيِّهِ، وَتَأَلُّفُهُمْ جَمِيعًا بِالْإِحْسَانِ وَالْإِنْصَاف".[1]
إنّ هذه الواجبات الملقاة على السلطان، الذي هو تعبير عن القيادة التنفيذية داخل أي مجتمع، تكون بمنزلة الأصول التي تجعل قيادته لهذا المجتمع قيادة صحيحة وسليمة وتقدّمية؛ لأنّ الأصل الأول، الذي تُبنى عليه قيادة الصلاح، هو الانطلاق بعجلة الصلاح في المجتمع وتوجيهه نحو الرّقي المعنوي والتسابق على طريق الفضيلة. فهذا يُعدّ من أعظم إنجازات السلاطين أو القادة أو الملوك أو أي نوع من الحكومات في العالم.
والخاصّة هي النخبة التي تمثّل زبدة الطاقات في المجتمع، وقد تكون تلك الشريحة التي تتقرّب إلى السلطان وتحيط به. فإذا عمل السلطان على "مكافأة المُحسن بالإحسان" ازداد الجميع رغبة فيه. فلاحظوا هذا الانتقال من المفرد إلى الجمع؛ فهو يُكافئ المحسن، لكن الجميع يزداد رغبةً في الإحسان.
"وتغمّد ذنوب المسيء"، بمعنى الستر على ذنوب المسيء. فإذا اطّلع السلطان، بحكم ما لديه من عيون ومعلومات على أعمال المسيئين، فمن واجبه أن يتغمّدهم بالستر عسى أن يتوبوا ويرجعوا عن غيِّهم وتماديهم. فالستر غالبًا ما يؤدي إلى التقليل من أخطاء الناس والذنوب التي تصدر منهم.
ثمّ هناك الواجب الثالث الذي يرتبط باستقطاب الجميع بالإحسان والإنصاف؛ فيكون هو المبادر إلى الإحسان، لا أنّه ينتظر أن يقوموا هم بالأعمال الجميلة والحسنة.
لأجل ذلك، نسأل: ما هو المحرّك الأول لمسيرة الفضيلة في المجتمع؟
الفضيلة بمعناها العام تشمل كل أنواع الكمالات، لا الفضائل الشرعية فحسب. فالإبداع والاختراع والابتكار وكل ما من شأنه أن يتقدّم بالمجتمع ويؤمّن له عزّته وسؤدده، هو من الأعمال الصالحة التي ينبغي أن تكون فاعلة وناشطة جدًّا في المجتمع، حتى يصل إلى مراتب العزّة والكرامة المنشودة ويُحفظ من هجمات الأعداء ويُصان من غزواتهم الثقافية وغيرها. وتُعدّ القيادة هي المحرّك الأول في هذا المجال.
لا يمكن لأي مجتمع أن يتجه نحو الفضيلة، بمعنى أن ينشأ فيه توجّه عام وتيّار عمومي نحو الفضائل والكمالات والأعمال الصالحة والتقدّمية، من دون وجود مثل هذه القيادة على رأسه، ترعى وتقود وتنشّط هذه الحركة العامة؛ هذا أمرٌ ينبغي أن يكون من بديهيات الفكر الاجتماعي. لذلك حين نجد حالة تباطؤ وتلكّؤ أو ضعف في مسيرة أي مجتمع، علينا أن نعلم أنّ المسألة ترتبط بالقيادة قبل أي شيء. وهنا نسأل مثلًا: هل يوجد في مجتمعنا حالة من التوجه نحو الابتكار والإبداع؟ هل يوجد حركة ناشطة في التأليف والكتابة والفن والإبداعات الفنية وفي الشعر، أي في هذه الأمور التي هي تعبيرات عن توجه المجتمع نحو الكمالات ونحو المجد والعلوّ والازدهار؟
فإن لم نجد مثل هذه الحركة العامة فهذا يعني أنّ هناك خللًا معيّنًا، وهنا يأتي الإمام الصادق (ع) ليُرشد السلطات أو الحكومة أو القيادة في هذا المجتمع إلى أنّهم إن قاموا بهذه الواجبات الثلاثة، فإنّها ستكون عاملًا أساسيًّا في تنشيط هذه الحركة ودفع تلك العجلة الأساسية للتقدّم على مستوى المجتمع.
إذًا نحن نستطيع أن نتلمّس حركة التقدّم أو السعي نحو الفضائل أو الإحسان ـ بحسب المصطلح الموجود في الرواية الشريفة عن الإمام الصادق (ع) ـ من خلال النظر إلى كل ما من شأنه أن يكون مظهرًا للتألّق والرقي والتقدّم. فهناك مجالات عديدة يُعبِّر فيها البشر عن هذا السعي الحثيث نحو الفضيلة، وهذه الأمثلة التي ذكرناها تُعدّ من أهم المظاهر وأكثرها وضوحًا في الحياة البشرية.
فإن لم نجد أو نلاحظ حركة تقدّمية أو إقبال واسع في المجالات المختلفة للحياة، سواء على مستوى الزراعة أو الإنتاج الاقتصادي أو الفكري، أو أي نوع من الأنشطة التي يقوم بها الناس، علينا أن نعلم أنّ المشكلة تبدأ من الرأس الذي كان عليه أن يعمل على تحفيز هذه الأنشطة، من خلال مكافأة المحسن واختيار النماذج النوعية الإبداعية التقدّمية والقيام بمكافأتها. فمثل هذا التحفيز ينشّط الجميع بما في ذلك الناكل والخامل، الذي سيسعى أيضًا بهذا الاتجاه لأنّه سيعلم أنّ هناك من سيُقدِّر عمله وأنّ هذا العمل هو عمل مطلوب جدًّا.
فأساس انطلاق الحركة التقدّمية في المجتمع تبدأ من السلطة ومن القيادة، وهذا الحديث الشريف هو أفضل مرشد لهذه القيادة التي يخفق قلبها شفقة ورحمة واهتمامًا وحرصًا على هذا المجتمع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]. تحف العقول، ص 319.
إيمان شمس الدين
الشيخ باقر القرشي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ حسين الخشن
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد مهدي الآصفي
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشّيخ صالح آل إبراهيم: كيف تنقذ زواجك من الانهيار؟
التسارع والتباطؤ وإنتاج المعارف (4)
تحمّل المسؤوليّة، عنوان الحلقة الثّالثة من برنامج (قصّة اليوم)
ناصر الرّاشد: كيف يستمرّ الحبّ؟
من بحوث الإمام الرّضا (ع) العقائديّة (2)
الإمام الرضا (ع) والمواقف من النظام (2)
شيء من الحنين الرّضويّ
الإمام الرّضا: كعبة آمال المشتاقين
العلّة من وراء خلق الشّيطان والشّرّ
السّكينة والحياة السّعيدة