مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

لكي لا نصبح أعداءً للإمام المهديّ!

هل سمعتم أن بعض الناس ممّن يكون لهم صيت الخير والصلاح، يتحوّلون إلى أشرار حين يظهر الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، وأنّ بعض المعروفين بالشرّ يظهرون على حقيقة الصلاح والخير حين ظهوره المبارك؟[1]

 

ففي حديث: "يقوم قائمنا بالحق بعد إياس من الشيعة، يدعو الناس ثلاثًا فلا يجيبه أحد، فإذا كان اليوم الرابع تعلق بأستار الكعبة، فقال: يا رب انصرني، ودعوته لا تسقط، فيقول تبارك وتعالى للملائكة الذين نصروا رسول الله يوم بدر ولم يحطوا سروجهم ولم يضعوا أسلحتهم، فيبايعونه، ثمّ يبايعه من الناس ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا... ويسير إلى الكوفة فيخرج منها ستة عشر ألفا من البترية شاكين في السلاح، قراء القرآن، فقهاء في الدين، قد قرحوا جباههم وسمروا ساماتهم وعمهم النفاق، وكلّهم يقولون: يا ابن فاطمة ارجع لا حاجة لنا فيك".[2]

 

قد يكون هذا نوعًا من الانقلاب، حيث يسقط الإنسان في فتنة كبرى لم يكن مستعدًّا لها. وقد يكون ظهورًا لحقيقته وباطنه الذي كان خافيًا على الناس، بل حتى على نفسه. وفي هذه الحالة، فإنّ ما نفهمه من هذه الرواية هو أنّه يمكن أن نحسب أنفسنا من الممهّدين، لكنّنا في الواقع لا نكون سوى ممّن يعمل على تأخير الظهور! وحين يظهر هذا الإمام العظيم، نجد أنفسنا على النقيض ممّا يدعو إليه، فلا نقبل به ولا نعترف له بالولاية وربما نعدّه دجّالًا، والعياذ بالله.

 

تذكر مجموعة من الروايات المرتبطة بالظهور، أنّ للإمام فتنًا عديدة، يسقط فيها الكثير من الناس. وفي بعضها أنّه يخرج مع الإمام عشرة آلاف، وبسبب الفتنة والاختبار لا يبقى معه إلا ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلًا عدد أصحاب بدر. وفي بعضها أنّ الكثير من المسلمين ينقادون إليه، لكنّهم يرجعون عنه حين يختبر حبّهم وتعلّقهم بأعداء أهل البيت عليهم السلام؛ وهكذا..

 

إنّ الفتنة والامتحان من التدابير التي يتّخذها الإمام لأجل تمحيص أنصاره وجنده، نظرًا لطبيعة المهمّة الملقاة على عاتقه وحجمها وحساسيّتها الشديدة. فالإمام هنا هو آخر سهم في جعبة الخطّ الرساليّ الإلهيّ، بحيث إذا لم ينجح ـ وهذا أمرٌ مستحيل ـ فلن يبقى للبشرية بعده أي أمل بالخلاص والنجاة. لهذا، فإن التشدّد الكبير في تمحيص الأنصار هو لأجل تقويتهم وتعميق إيمانهم وتصفية معسكرهم من كلّ ما يمكن أن يثبّط العزائم أو يشكّك بالنهج. ولن يكون بعدها أي ضعف في البصيرة والأمانة والتدبير والعزم والثبات. وسوف يشهد العالم حينئذٍ ولأوّل مرّة معسكرًا من الأنصار، الذين لا يمكن أن يتزلزلوا ويسقطوا في مواجهة أعتى الفتن والتحدّيات والمؤامرات والدسائس والضغوط.

 

الانقلابات التي تحدث في معسكر الإمام تكون في المراحل الأولى في عملية التمحيص الكبرى. وهي ترجع إلى كون المحبّين والموالين هنا لم يعدّوا العدّة المطلوبة للثبات، وهذه عاقبة ينبغي أن نعوذ بالله منها دومًا؛ وإنّ أحد أركان الاستعاذة أن لا يكلنا الله إلى أنفسنا طرفة عين. وإنّما يفعل الله هذا بمن توكّل على نفسه واعتدّ بها وركن إليها.

 

إنّ دراستنا لنوعيّة الفتن التي تحدث في عصر الظهور يمكن أن تساعدنا في عمليّة الاستعداد المعنويّ والنفسيّ. وجوهر هذه الفتن يرتبط بمدى ولائنا واستعدادنا لتقبّل أوامر الإمام، التي تبدو مناقضة للعقل، وهي في الواقع متعارضة مع عقولنا نحن؛ أي ما وصل إليه علمنا ومستوى إدراكنا وقدرتنا على التحليل.

 

وممّا يبدو من هذه الفتن، أنّ الذين اعتادوا على تحليل القضايا من منظورهم الشخصيّ وانطلاقًا من علومهم، فسوف يجدون بونًا شاسعًا يفصلهم عن الإمام؛ وهذا ما يحمل البعض منهم على اتّهامه (عليه السلام) ورفضه.

 

لقد أكّدت لنا تلك الثقافة التي نبعت من ذلك التراث الغنيّ المرتبط بحقيقة الإمامة الإلهية ومقاماتها وخصائصها، أنّ الإمام وحيد دهره وفريد عصره لا يمكن أن يشبهه أحد بالعلم والفضل والفضيلة. وهذا التفرّد قد يجعله في موقع النقيض بالنسبة لنا، خصوصًا إذا كانت القضيّة قضيّة علم. فما بلغه عالم الموالين لأهل البيت لحدّ الآن من علم ومنهجٍ بحثيّ لا يمثّل سوى مقدار ضئيل جدًّا من علوم أهل البيت أنفسهم. ولهذا، فمن الحريّ أن يُعدّ كلّ عالم نفسه لمثل هذا التسليم والاستسلام من الآن، ولا يتعامل مع قضايا الحياة والدين من موقع الإحاطة والختم.

 

وممّا يؤسف له وجود هذه الذهنية في بعض المجامع العلميّة، حيث يشعر أهلها بالزهو والفرح بما وصلوا إليه، وكأنّه لم يعد هناك مشكلة اسمها نقص العلم في الدنيا. هؤلاء يقولون إنّ المشكلة في الناس وفي التطبيق. أمّا العلم فقد وصل إلى نهايته وتمامه، وفقهنا كامل، والمسائل التي طرحها شاملة لكلّ شيء.

 

وبمعزل عن قضية التطبيق والعمل، فإنّ فيها ما فيها، فإنّ كل متأمّل في العديد من الإشارات والتصريحات الواردة في أحاديث المهدويّة، يجد أنّها تؤكّد على أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) سيقوم بثورة علميّة عظيمة لم تشهدها البشرية من قبل، ولم تعرف لها مثيلًا، بحيث إنّه لو جمعنا كل علوم الأولين والآخرين لما بلغت مقدار حرفين من حروف أبجدية العلم الذي سيظهره الإمام (عليه السلام).

 

سيتحدّى الإمام علمنا وطريقة تحليلنا للأمور، وسنكون في مثل هذه الحالة أمام فتنة كبرى، حتى يقول الناس قد جاء هذا الرجل بدينٍ جديد. وسيخالفه العلماء، كلٌّ يتأول عليه بآية من القرآن الكريم. فإذا كنّا نبحث عن طريقة للنجاة من هذه الفتنة، فحريّ بنا أن نتّهم علومنا من الآن، ولا نعتد بما جاءنا منها. فالعالِم الواقعيّ هو الذي يدرك قبل أي شيء مدى جهله. ومن ترك قول لا أدري أصيبت مقاتله. وفي الحديث أن آخر مراحل العلم أن يعلم العالم أنّه لا يعلم شيئًا.

 

ستكون البشرية على موعد مع نوعٍ جديد من العلم والمعرفة وطريقة البحث، وسيكون على الموالين الحقيقيّين أن يتخلّوا عن الكثير ممّا اعتادوا عليه وأنسوا به، إن أرادوا أن يلحقوا بالقافلة الجديدة التي ستفتتح أبواب السموات.

 

"اللهم عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللهم عرّفني رسولك فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني".[3]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]. قال الإمام الصادق(ع): لينصرّن الله هذا الأمر بمن لا خلاق له، ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على عبادة الأوثان". وفي حديثٍ آخر عن أبي يعفور: قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ويلٌ لطغاة العرب من أمرٍ قد اقترب، قلتُ: جُعلت فداك كم مع القائم من العرب؟ قال: نفرٌ يسير، قلت: والله إن من يصف هذا الأمر منهم لكثير. قال: لا بد للناس من أن يُمحصوا ويُميزوا ويُغربلوا ويُستخرج في الغربال خلقٌ كثير. [الكافي، ج1، ص 370].

[2]. معجم أحاديث الإمام المهدي، الشيخ علي الكوراني العاملي، ج3، ص 306.

[3]. مفاتيح الجنان، دعاء زمن الغيبة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد